فصل: كِتَابُ الْفَرَائِضِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.كِتَابُ الْفَرَائِضِ:

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إمْلَاءً اعْلَمْ بِأَنَّ الْفَرَائِضَ مِنْ أَهَمِّ الْعُلُومِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَرْكَانِ الدِّينِ حَثَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَعْلِيمِهَا وَتَعَلُّمِهَا كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ وَتَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ وَسَيُقْبَضُ هَذَا الْعِلْمُ مِنْ بَعْدِي حَتَّى يَتَنَازَعَ الرَّجُلَانِ فِي فَرِيضَةٍ فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا» وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ عِنْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ، وَلَا يَكُونَنَّ أَحَدُكُمْ كَرَجُلٍ لَقِيَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ أَمُهَاجِرٌ أَنْتَ قَالَ فَإِنَّ إنْسَانًا مِنْ أَهْلِي مَاتَ فَكَيْفَ يُقْسَمُ مِيرَاثُهُ قَالَ لَا أَدْرِي قَالَ فَمَا فَضْلُكُمْ عَلَيْنَا تَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَلَا تَعْلَمُونَ الْفَرَائِضَ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ وَتَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ فَإِنَّهَا نِصْفُ الْعِلْمِ وَهِيَ أَوَّلُ مَا يُنْزَعُ مِنْ بَيْنِ أُمَّتِي»، وَقَدْ كَانَ أَكْثَرُ مُذَاكَرَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ وَمُدِحُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «أَقْرَؤُكُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَأَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ وَأَفْرَضُكُمْ زَيْدٍ وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ فَقَدْ نَوَّهَ بِذِكْرِ زَيْدٍ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ، ثُمَّ طُرُقُ الْفَرْضِيِّينَ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ فَمِنْ بَيْنِ مُطَوِّلٍ أَمَلَّ وَمِنْ بَيْنِ مُوجِزٍ أَخَلَّ فَالسَّبِيلُ أَنْ نُجْرِيَ الْقَصْدَ وَنَدَعَ التَّطْوِيلَ بِذِكْرِ مَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَالْإِخْلَالَ بِتَرْكِ نَصِّ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فَإِنَّ خَيْرَ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا فَنَقُولُ إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ يُبْدَأُ مِنْ تَرِكَتِهِ بِالْأَقْوَى فَالْأَقْوَى مِنْ الْحُقُوقِ عُرِفَ ذَلِكَ بِقَضِيَّةِ الْعُقُولِ وَشَوَاهِدِ الْأُصُولِ فَأَوَّلُ مَا يُبْدَأُ بِهِ تَجْهِيزُهُ وَتَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا رُوِيَ «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ يُوجَدْ لَهُ إلَّا نَمِرَةٌ فَكَانَ إذَا كَانَ غُطِّيَ بِهَا رَأْسُهُ بَدَا رِجْلَاهُ وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ فَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغَطَّى بِهَا رَأْسُهُ وَيُجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ الْإِذْخِرِ».
، وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ فِي حَالِ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ الدَّيْنِ عَلَيْهِمَا فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُقَدَّمًا عَلَى الْكَفَنِ لَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا سَأَلَ عَنْ الدَّيْنِ حَتَّى كَانَ لَا يُصَلِّي عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ «هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ دَيْنٌ» ثُمَّ الْكَفَنُ لِبَاسُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَيُعْتَبَرُ بِلِبَاسِهِ فِي حَيَاتِهِ وَلِبَاسُهُ فِي حَيَاتِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِهِ حَتَّى لَا يُبَاعَ عَلَى الْمَدْيُونِ مَا عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابِهِ.
فَكَذَلِكَ لِبَاسُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَمَنْ مَاتَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تَكْفِينُهُ فَيُكَفَّنُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَمَالُهُ يَكُونُ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْكَفَنَ أَقْوَى مِنْ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَضَاءُ دَيْنِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ بَعْدَ الْكَفَنِ يُقَدَّمُ الدَّيْنُ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إنَّكُمْ تُقِرُّونَ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ، وَقَدْ شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّكَ تَأْمُرُ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ، وَقَدْ بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْحَجِّ فَقَالَ {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فَقَالَ كَيْفَ تَقْرَءُونَ آيَةَ الدَّيْنِ فَقَالُوا {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} فَقَالَ بِمَاذَا يُبْدَأُ فَقَالُوا بِالدَّيْنِ قَالَ هُوَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهِ فَإِنَّهُ يُفَكُّ بِهِ رِهَانُهُ وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ لَيْسَ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهِ، ثُمَّ قَضَاءُ الدَّيْنِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ وَالْوَصِيَّةُ لَمْ تَكُنْ مُسْتَحَقَّةً عَلَيْهِ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ لَيْسَ يَتَمَلَّكُ مَا يَأْخُذُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، وَلَكِنَّهُ فِي الْحُكْمِ يَأْخُذُ مَا كَانَ لَهُ وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بِهِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ وَالْمُوصَى لَهُ يَتَمَلَّكُ ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ وَأَيَّدَ هَذَا كُلَّهُ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَاسْتَسْعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِيمَتِهِ»، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدَّمَ الدَّيْنَ عَلَى الْوَصِيَّةِ.
وَعَلَى هَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ الدَّيْنُ إذَا كَانَ مُحِيطًا بِالتَّرِكَةِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا.
فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَوَّلِ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ بِحَالٍ لِأَنَّهُ يَخْلُفُ الْمُورِثَ فِي الْمَالِ وَالْمَالُ كَانَ مَمْلُوكًا لِلْمَيِّتِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ مَعَ اشْتِغَالِهِ بِالدَّيْنِ كَالْمَرْهُونِ.
فَكَذَلِكَ يَكُونُ مِلْكًا لِلْوَارِثِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَوَانَ الْمِيرَاثِ مَا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْحُكْمُ لَا يَسْبِقُ أَوَانَهُ فَيَكُونُ حَالُ الدَّيْنِ كَحَالِ حَيَاةِ الْمُورِثِ فِي الْمَعْنَى، ثُمَّ الْوَارِثُ يَخْلُفُهُ فِيمَا يَفْضُلُ مِنْ حَاجَتِهِ.
فَأَمَّا الْمَشْغُولُ بِحَاجَتِهِ لَا يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِيهِ.
وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِتَرِكَتِهِ فَالْمَالُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ وَقِيَامُ الْأَصْلِ يَمْنَعُ ظُهُورَ حُكْمِ الْخَلَفِ، وَلَا يَقُولُ يَبْقَى مَمْلُوكًا بِغَيْرِ مَالِكٍ، وَلَكِنْ تَبْقَى مَالِكِيَّةُ الْمَدْيُونِ فِي مَالِهِ حُكْمًا لِبَقَاءِ حَاجَتِهِ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا بَيَّنَّاهُ فِي النِّكَاحِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُعْتَبَرُ مِيرَاثًا لِلْوَارِثِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى عِنْدَنَا لِبَقَاءِ حَاجَتِهِ إلَى وِلَايَةٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصِيرُ مِيرَاثًا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ تُقَدَّمُ الْوَصِيَّةُ فِي مَحِلِّهَا عَلَى الْمِيرَاثِ وَمَحِلُّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ» فَفِي مِقْدَارِ الثُّلُثِ تُقَدَّمُ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْمِيرَاثِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْمِيرَاثَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَلِأَنَّ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ مِنْ حَوَائِجِ الْمَيِّتِ أَيْضًا.
فَأَمَّا مَا زَادَ عَنْ الثُّلُثِ لَا يَظْهَرُ فِيهِ تَقْدِيمُ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ فِيهِ يَمْنَعُ الْوَصِيَّةَ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَارِثُ وَبَعْدَ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ يُقْسَمُ الْمِيرَاثُ فَنَقُولُ الْأَسْبَابُ الَّتِي بِهَا يُتَوَارَثُ ثَلَاثَةٌ الرَّحِمُ وَالنِّكَاحُ وَالْوَلَاءُ وَالْوَلَاءُ نَوْعَانِ وَلَاءُ نِعْمَةٍ وَوَلَاءُ مُوَالَاةٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبُ الْإِرْثِ عِنْدَنَا عَلَى تَرْتِيبٍ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ وَالْأَسْبَابُ الَّتِي بِهَا يَحْرُمُ الْمِيرَاثُ ثَلَاثَةٌ الرِّقُّ وَاخْتِلَافُ الدِّينِ وَمُبَاشَرَةُ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ فِي حَقِّ مَنْ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ التَّقْصِيرُ شَرْعًا وَالْوَارِثُونَ أَصْنَافٌ ثَلَاثَةٌ أَصْحَابُ الْفَرَائِضِ وَالْعَصَبَاتُ وَذَوُو الْأَرْحَامِ وَأَصْحَابُ الْفَرَائِضِ هُمْ الَّذِينَ لَهُمْ سِهَامٌ مُقَدَّرَةٌ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ وَالْعَصَبَاتُ أَصْنَافٌ ثَلَاثَةٌ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ وَعَصَبَةٌ بِغَيْرِهِ وَعَصَبَةٌ مَعَ غَيْرِهِ فَالْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ الذَّكَرُ الَّذِي لَا يُفَارِقُهُ الذُّكُورُ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ وَالْعَصَبَةُ بِغَيْرِهِ الْأُنْثَى الَّتِي تَصِيرُ عَصَبَةً بِمَنْ فِي دَرَجَتِهَا مِنْ الذَّكَرِ كَالْبَنَاتِ بِالْبَنِينَ وَالْأَخَوَاتِ بِالْإِخْوَةِ وَالْعَصَبَةُ مَعَ غَيْرِهِ كَالْأَخَوَاتِ يَصِرْنَ عَصَبَةً مَعَ الْبَنَاتِ وَفَرْقُ فِيمَا بَيْنَ الْعَصَبَةِ بِغَيْرِهِ وَالْعَصَبَةِ مَعَ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عَصَبَةً بِغَيْرِهِ إلَّا، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْغَيْرُ عَصَبَةً وَالْعَصَبَةُ مَعَ غَيْرِهِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الْغَيْرُ عَصَبَةً فِي نَفْسِهِ كَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ فَالْبِنْتُ لَيْسَتْ عَصَبَةً بِنَفْسِهَا وَالْأُخْتُ تَصِيرُ عَصَبَةً مَعَهَا وَذَوُو الْأَرْحَامِ مَا عَدَا هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ مِنْ الْقَرَابَةِ، ثُمَّ أَقْوَى أَسْبَابِ الْأُرَثِ الْعُصُوبَةُ فَإِنَّهُ يُسْتَحَقُّ بِهَا جَمِيعُ الْمَالِ وَلَا يُسْتَحَقُّ بِالْفَرِيضَةِ جَمِيعُ الْمَالِ وَالْعُصُوبَةُ فِي كَوْنِهَا سَبَبًا لِلْإِرْثِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الرَّحِمِ فَكَانَتْ الْعُصُوبَةُ أَقْوَى الْأَسْبَابِ، ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ بَدَأَ الْكِتَابَ بِبَيَانِ مِيرَاثِ الْآبَاءِ، وَقَدْ اسْتَحْسَنَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ الْبُدَاءَةَ بِبَيَانِ مِيرَاثِ الْأَوْلَادِ اقْتِدَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}، وَلِأَنَّ الِابْنَ مُقَدَّمٌ فِي الْعُصُوبَةِ عَلَى الْأَبِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَقْوَى الْأَسْبَابِ الْعُصُوبَةُ فَقَدَّمْنَا بَيَانَ مِيرَاثِ الْأَوْلَادِ لِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
.

.بَابُ الْأَوْلَادِ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ) اعْلَمْ أَنَّ الِابْنَ الْوَاحِدَ يُحْرِزُ جَمِيعَ الْمَالِ ثَبَتَ ذَلِكَ بِإِشَارَةِ النَّصِّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}، ثُمَّ جَعَلَ لِلْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ النِّصْفَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} وَثَبَتَ أَنَّ لِلذَّكَرِ ضِعْفَ هَذَا وَضِعْفُ النِّصْفِ الْجَمِيعُ.
وَثَبَتَ ذَلِكَ اسْتِدْلَالًا بِآيَةِ الْإِخْوَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} أَيْ يَرِثُهَا جَمِيعَ الْمَالِ.
وَإِذَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّ لِلْأَخِ جَمِيعَ الْمَالِ ثَبَتَ لِلِابْنِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِأَنَّ الْأَخَ وَلَدُ أَبِيهَا وَوَلَدُهَا أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ وَلَدِ أَبِيهَا وَالْمِيرَاثُ يَنْبَنِي عَلَى الْأَقْرَبِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِمَّا تَرَكَ الْوَلَدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} وَزِيَادَةُ الْقُرْبِ تَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَنُصُّ عَلَى جَمِيعِ الْمَالِ لِلْبَنِينَ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَعْرُوفًا فِيمَا بَيْنَ الْعَرَبِ فَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ إلَّا الْبَنِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ لَا يُوَرِّثُ إلَّا الْكِبَارَ مِنْ الْبَنِينَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ السِّلَاحَ وَيُوَرِّثُونَ الْعَشِيرَةَ فَإِنَّمَا بَيَّنَ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَهُمْ فَإِنْ اجْتَمَعَ الْبَنُونَ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلِلْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ إذَا انْفَرَدَتْ النِّصْفُ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} وَاسْتِدْلَالًا أَيْضًا بِمِيرَاثِ الْأُخْتِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} وَالْبِنْتُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْأُخْتِ فَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا فَصَاعِدًا فَلَهُنَّ الثُّلُثَانِ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} فَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ لِلْبَنَاتِ عَلَى الثُّلُثَيْنِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، وَإِنْ كَثُرْنَ {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ} فِي قَوْلِ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ لِلْبَنِينَ النِّصْفُ وَيُسْتَدَلُّ بِظَاهِرِ الْآيَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْبَنَاتِ الثُّلُثَيْنِ أَنْ يَكُنَّ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَ الشَّرْطِ، وَقَدْ تُجَاذِبُ الْبَنِينَ حَالَتَانِ إمَّا أَنْ تَعْتَبِرَهُمَا بِالثَّلَاثِ، أَوْ بِالْوَاحِدَةِ وَاعْتِبَارُهُمَا بِالْوَاحِدَةِ أَوْلَى لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِمَا بِالثَّلَاثِ إبْطَالُ شَرْطٍ مَنْصُوصٍ وَالْقِيَاسُ لِإِبْطَالِ النَّصِّ بَاطِلٌ، وَفِي أَوَّلِ الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلِابْنَتَيْنِ النِّصْفَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وَمَنْ تَرَكَ ابْنًا وَابْنَتَيْنِ فَلِلِابْنِ النِّصْفُ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ حَظَّ الْأُنْثَيَيْنِ النِّصْفُ، وَفِي قَوْله تَعَالَى فَلَهُنَّ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا لَفْظُ الْجَمْعِ وَالْجَمْعُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ فَأَهْلُ اللُّغَةِ جَعَلُوا الْكَلَامَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْفَرْدُ وَالتَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ فَكَانَ اتِّفَاقًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ التَّثْنِيَةَ غَيْرُ الْجَمْعِ وَلِلْوَاحِدِ عِنْدَهُمْ أَبْنِيَةٌ مُخْتَلِفَةٌ وَكَذَلِكَ لِلْجَمْعِ وَلَيْسَ لِلتَّثْنِيَةِ إلَّا بِنَاءً وَاحِدًا وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْقُولِ فِي الْمَعْنَى يُعَارِضُ الْفَرْدَيْنِ فَلَا يَظْهَرُ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَفِي الثَّلَاثِ تَتَعَارَضُ الْبَنَاتُ مَعَ الْفَرْدِ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْجَمْعِ عَلَى جَانِبِ الْفَرْدِ.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ اسْمَ الْجَمْعِ لَا يَتَنَاوَلُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ فَقَدْ ظَهَرَ إلْحَاقُ الْبِنْتَيْنِ بِالْوَاحِدَةِ هَذَا بَيَانِ أَصْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا، وَفِي الْإِخْوَةِ فِي حُكْمِ الْحَجْبِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} فَقَدْ جَعَلَ لِلذَّكَرِ حَالَةَ الِاخْتِلَاطِ مِثْلَ نَصِيبِ الِابْنَتَيْنِ وَأَدْنَى الِاخْتِلَاطِ أَنْ يُجْمَعَ ابْنٌ وَبِنْتٌ وَلِلِابْنِ هُنَا الثُّلُثَانِ بِالِاتِّفَاقِ فَعَرَفْنَا أَنَّ حَظَّ الْأُنْثَيَيْنِ الثُّلُثَانِ وَلَمَّا صَارَ نَصِيبُ الْبَنِينَ مَعْلُومًا بِهَذِهِ الْإِشَارَةِ لَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ تَعَالَى نَصِيبَ الْبِنْتَيْنِ أَيْضًا وَذَكَرَ نَصِيبَ مَا فَوْقَ الْبِنْتَيْنِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ فَإِنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ خَلَّفَ بِنْتَيْنِ وَامْرَأَةً فَاسْتَوْلَى الْأَخُ عَلَى مَالِهِ فَجَاءَتْ امْرَأَتُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ إنَّ سَعْدًا قُتِلَ مَعَك وَخَلَّفَ ابْنَتَيْنِ، وَقَدْ غَلَبَ عَمُّهُمَا عَلَى مَالِهِمَا، وَلَا يُرْغَبُ فِي النِّسَاءِ إلَّا بِمَالٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمْ يُنْزِلْ اللَّهُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، ثُمَّ ظَهَرَ أَثَرُ الْوَحْيِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا سَرَى عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قِفُوا مَالَ سَعْدٍ فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مَا إنْ بَيَّنَهُ لِي بَيَّنْته لَكُمْ وَتَلَا عَلَيْهِمْ قَوْله تَعَالَى {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ} الْآيَةَ، ثُمَّ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَا سَعْدٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ وَلِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَلَهُ مَا بَقِيَ».
وَفِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ عَنْ فَرِيضَةٍ فِيهَا بِنْتٌ وَابْنَةُ ابْنٍ وَأَخٌ فَجَعَلَ لِلِابْنَةِ النِّصْفَ وَلِلْأَخِ مَا بَقِيَ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَقَدْ ضَلَلْت إذًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَالْبَاقِي لِلْأَخِ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ حَالَ الْبِنْتَيْنِ أَقْوَى مِنْ حَالَةٍ الِابْنَةِ وَابْنَةِ الِابْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ حَالَةَ التَّثْنِيَةِ فِي مَعْنَى حَالَةِ الْجَمْعِ لِوُجُودِ الِاجْتِمَاعِ وَانْضِمَامِ أَحَدِ الْفَرْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ، وَلَا مَعْنَى فِي الْجَمْعِ سِوَى هَذَا وَمِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ الْإِمَامُ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَثْنَى كَمَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَإِلَيْهِ إشَارَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» وَقِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} أَيْ اثْنَتَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا وَكَلِمَةُ فَوْقَ صِلَةٌ فِيهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} يَعْنِي مَعَ الْأَعْنَاقِ مَعَ أَنَّا قَدْ سَلَّمْنَا أَنَّ فِي هَذَا اللَّفْظِ بَيَانُ نَصِيبِ الثَّالِثِ وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ عِنْدَنَا لَا يُوجِبُ نَفْيَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَقَدْ أَثْبَتْنَا بِإِشَارَةِ النَّصِّ أَنَّ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ كَمَا قَرَّرْنَا فَإِنْ اخْتَلَطَ الذُّكُورُ بِالْإِنَاثِ مِنْ الْأَوْلَادِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بِالنَّصِّ وَاسْتِدْلَالًا بِمِيرَاثِ الْإِخْوَةِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وَالْأَوْلَادُ أَقْرَبُ مِنْ الْإِخْوَةِ وَأَوْلَادُ الِابْنِ يَقُومُونَ مَقَامَ أَوْلَادِ الصُّلْبِ عِنْدَ عَدَمِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} وَاسْمُ الْأَوْلَادِ يَتَنَاوَلُ أَوْلَادَ الِابْنِ مَجَازًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ}.
وَعِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ صُلْبِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِرَجُلٍ أَيْ أَبٍ لَك أَكْبَرُ فَتَحَيَّرَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَفْهَمْ مَا قَالَ لَهُ فَتَلَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا بَنِي آدَمَ} وَجَعَلَ يَقُولُ مَنْ كُنْت ابْنَهُ فَهُوَ أَبُوك فَإِنْ اجْتَمَعَ أَوْلَادُ الصُّلْبِ وَأَوْلَادُ الِابْنِ فَإِنْ كَانَ فِي أَوْلَادِ الصُّلْبِ ذَكَرٌ فَلَا شَيْءَ لِأَوْلَادِ الِابْنِ ذُكُورًا كَانُوا، أَوْ إنَاثًا أَوْ مُخْتَلِطِينَ لِأَنَّ الذَّكَرَ مِنْ أَوْلَادِ الصُّلْبِ مُسْتَحِقٌّ لِجَمِيعِ الْمَالِ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الِاسْمِ، وَعِنْدَ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْمَجَازِ فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مُتَعَذِّرٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ أَوْلَادَ الِابْنِ مَجَازًا أَنَّهُ يَسْتَقِيمُ نَفْيُهُ عَنْهُ بِإِثْبَاتِ غَيْرِهِ فَيُقَالُ لَيْسُوا بَنِيهِ وَلَكِنَّهُمْ بَنُو ابْنِهِ، وَهَذَا حَدُّ الْمَجَازِ مَعَ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَفْيُ الْحَقِيقَةِ وَيُمْكِنُ نَفْيُ الْمَجَازِ بِإِثْبَاتِ غَيْرِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ أَوْلَادَ الِابْنِ يُدْلُونَ بِالِابْنِ وَيَرِثُونَ بِمِثْلِ نَسَبِهِ فَيُحْجَبُونَ بِهِ كَالْأَجْدَادِ بِالْأَبِ وَالْجَدَّاتِ بِالْأُمِّ بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ لِأُمٍّ فَإِنَّهُمْ يَرِثُونَ مَعَ الْأُمِّ، وَإِنْ كَانُوا يُدْلُونَ بِهَا لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ بِمِثْلِ نَسَبِهَا فَإِنَّهَا تَرِثُ بِالْأُمُومَةِ وَهُمْ بِالْأُخُوَّةِ وَأَيَّدَ مَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» وَأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ الِابْنُ دُونَ أَوْلَادِ الِابْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَوْلَادِ الصُّلْبِ ذَكَرٌ، وَلَا فِي أَوْلَادِ الِابْنِ ذَكَرٌ فَإِنْ كَانَتْ ابْنَةُ الصُّلْبِ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِبَنَاتِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَإِنْ كَانَتْ ابْنَةُ الصُّلْبِ بِنْتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ، وَلَا شَيْءَ لِبَنَاتِ الِابْنِ لِأَنَّ حَظَّ الْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ، وَقَدْ اسْتَحَقَّ الْبِنْتَانِ جَمِيعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ حَقِّ الْبَنَاتِ شَيْءٌ لِبَنَاتِ الِابْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَوْلَادِ الصُّلْبِ ذَكَرٌ وَكَانَ فِي أَوْلَادِ الِابْنِ ذَكَرٌ فَإِنْ انْفَرَدَ الذُّكُورُ مِنْ أَوْلَادِ الِابْنِ فَالْبَاقِي بَعْدَ نَصِيبِ الْبَنَاتِ لَهُمْ نِصْفًا كَانَ، أَوْ ثُلُثًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ فَلِأَوَّلِ رَجُلٍ ذَكَرٍ»، وَلَا يُقَالُ بِأَنَّ هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ أَوْلَادَ الصُّلْبِ حَقِيقَةً وَأَوْلَادَ الِابْنِ مَجَازًا وَهَذَا لِأَنَّ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَقِيقَةُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَجَازُ وَهُوَ مَا اسْتَحَقَّهُ بَنَاتُ الصُّلْبِ.
فَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَالْحَقِيقَةُ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهَا فِي اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُعْمَلُ بِالْمَجَازِ فِي اسْتِحْقَاقِ مَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ الِاسْتِحْقَاقُ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ فَلَا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَإِنْ اخْتَلَطَ الذُّكُورُ بِالْإِنَاثِ مِنْ أَوْلَادِ الِابْنِ فَنَقُولُ إنْ كَانَ بَنَاتُ الصُّلْبِ بِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا فَلَهُنَّ الثُّلُثَانِ وَالْبَاقِي بَيْنَ أَوْلَادِ الِابْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عِنْدَ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ الْبَاقِي لِبَنِي الِابْنِ خَاصَّةً، وَلَا شَيْءَ لِبَنَاتِ الِابْنِ فَإِنْ كَانَتْ ابْنَةُ الصُّلْبِ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي بَيْنَ أَوْلَادِ الِابْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عِنْدَ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ، وَعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُنْظَرُ إلَى الْمُقَاسَمَةِ وَالسُّدُسِ لِبَنَاتِ الِابْنِ فَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ شَرًّا لَهُنَّ فَلَهُنَّ ذَلِكَ وَالْبَاقِي لِبَنِي الِابْنِ وَيُسَمَّى هَذَا الْجِنْسُ مَسَائِلُ الْإِضْرَارِ.
وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِالْآيَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اعْتَبَرَ فِي مِيرَاثِ الْأَوْلَادِ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ أَمَّا الثُّلُثَانِ لِلْبَنَاتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}، وَقَدْ وُجِدَ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ هُنَا وَهُوَ إعْطَاءُ الْبَنَاتِ الثُّلُثَيْنِ فَلَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ الْحُكْمِ الْآخَرِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُتَعَذِّرٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَبْقَى لِأَوْلَادِ الِابْنِ اسْتِحْقَاقٌ بِحُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ مَا أَخَذَتْ الْبَنَاتُ الثُّلُثَيْنِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ لِلذُّكُورِ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ، وَإِنْ كَانَتْ ابْنَةُ الصُّلْبِ وَاحِدَةً قَدْ بَقِيَ السُّدُسُ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ الْبَنَاتُ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَهُنَّ عِنْدَ الِانْفِرَادِ لَا عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ فَلَا يُعْطَيْنَ إلَّا الْأَقَلَّ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ فَلِهَذَا يُنْظَرُ إلَى الْمُقَاسَمَةِ وَإِلَى السُّدُسِ فِيمَا يُعْطَى بَنَاتُ الِابْنِ، وَلِأَنَّ بَنَاتَ الِابْنِ لَوْ انْفَرَدْنَ مَعَ الِابْنَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ شَيْءٌ وَمَعَ الْوَاحِدَةِ مِنْ الْبَنَاتِ لَا يَكُونُ لَهُنَّ إلَّا السُّدُسُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ حَالَةَ الِانْفِرَادِ فِي حُكْمِ الِاسْتِحْقَاقِ أَقْوَى مِنْ حَالَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ الْأُنْثَى عَصَبَةً بِالذَّكَرِ إذَا كَانَتْ صَاحِبَةَ فَرْضٍ عِنْدَ الِانْفِرَادِ كَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ فَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَحِقَّةً شَيْئًا عِنْدَ الِانْفِرَادِ لَمْ تَصِرْ عَصَبَةً بِالذَّكَرِ كَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ مَعَ بَنِي الْإِخْوَةِ وَبَنَاتِ الْعَمِّ مَعَ بَنِي الْعَمِّ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الذَّكَرَ مَعَ أَوْلَادِ الِابْنِ يَعْصِبُ الْإِنَاثَ فِي دَرَجَتِهِ فِي اسْتِحْقَاقِ جَمِيعِ الْمَالِ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَلَدٌ لِلْمَيِّتِ لِصُلْبِهِ فَكُلُّ ذَكَرٍ يَعْصِبُ الْأُنْثَى فِي اسْتِحْقَاقِ جَمِيعِ الْمَالِ بِالِاتِّفَاقِ يَعْصِبُهَا فِي اسْتِحْقَاقِ مَا بَقِيَ كَالْأَخِ مَعَ الْأَخَوَاتِ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْبَنَاتِ مَعَ الْبَنِينَ.
وَهَذَا لِأَنَّ بَنَاتَ الصُّلْبِ لَمَّا أَخَذْنَ نَصِيبَهُنَّ خَرَجْنَ مِنْ الْبَنِينَ وَصَارَ فِيمَا بَقِيَ كَأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ ابْنَةٌ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيمَا بَقِيَ هُوَ الْحُكْمُ فِي الْجَمِيعِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ بَنَاتُ الصُّلْبِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّا لَا نَجْمَعُ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا نُثْبِتُ فِي كُلِّ مَحَلٍّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ فَفِي الثُّلُثَيْنِ عَمِلْنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ}، وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ عَمِلْنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} يُوَضِّحُهُ أَنَّ الذَّكَرَ مِنْ أَوْلَادِ الِابْنِ يَعْصِبُ الْأُنْثَى فِي دَرَجَتِهِ فِي حُكْمِ الْحِرْمَانِ وَبَيَانُهُ إذَا اجْتَمَعَ مَعَ الزَّوْجِ وَالْأَبَوَيْنِ ابْنَةٌ وَابْنَةُ ابْنٍ فَإِنَّ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسَ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ فَإِنْ كَانَ مَعَ ابْنَةِ الِابْنِ ابْنُ الِابْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ لِأَنَّهَا تَصِيرُ عَصَبَةً بِهِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ شَيْءٌ فَلَمَّا كَانَ يَعْصِبُهَا فِي حُكْمِ الْحِرْمَانِ فَلَأَنْ يَعْصِبَهَا فِي حُكْمِ الِاسْتِحْقَاقِ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ التَّعْصِيبَ فِي الْأَصْلِ لِلِاسْتِحْقَاقِ لَا لِلْحِرْمَانِ فَإِنْ كَانَ الذَّكَرُ أَوْلَادَ الِابْنِ دُونَ الْأُنْثَى بِدَرَجَةٍ فَإِنْ اجْتَمَعَ مَعَ ابْنَتِي الصُّلْبِ بِنْتٌ ابْنٌ وَابْنُ ابْنِ ابْنٍ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا أَنَّ الْبَاقِيَ بَيْنهمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّ الْبَاقِيَ لِلذَّكَرِ خَاصَّةً هُنَا لِأَنَّ الْأُنْثَى إنَّمَا تَصِيرُ عَصَبَةً بِذَكَرٍ فِي دَرَجَتِهَا لَا بِذَكَرٍ هُوَ دُونَهَا فِي الدَّرَجَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْبِنْتَ لَا تَصِيرُ عَصَبَةً بِابْنِ الِابْنِ فِي ابْنَةٍ وَاحِدَةٍ صُلْبِيَّةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَابْنِ ابْنِ ابْنٍ فَإِنَّهُ لَا تَصِيرُ ابْنَةُ الِابْنِ عَصَبَةً بِابْنِ الِابْنِ.
فَكَذَلِكَ مَعَ الْبِنْتَيْنِ لِمَعْنًى وَهُوَ أَنَّ الذَّكَرَ إذَا كَانَ أَبْعَدَ بِدَرَجَةٍ فَلَوْ جُعِلَ لِلْأُنْثَى الَّتِي هِيَ أَقْرَبُ مِنْهُ بِدَرَجَةٍ عَصَبَةً كَانَ الذَّكَرُ مَحْرُومًا فِي نَفْسِهِ لِأَنَّ فِي مِيرَاثِ الْعَصَبَاتِ الْأَقْرَبُ يُقَدَّمُ عَلَى الْأَبْعَدِ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى (أَلَا تَرَى)
أَنَّ الْأُخْتَ لَمَّا صَارَتْ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ كَانَ الْبَاقِي لَهَا دُونَ ابْنِ الْأَخِ وَالْعَمِّ.
وَإِذَا صَارَ مَحْرُومًا لَا يَعْصِبُ أَحَدًا وَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّ هَذِهِ الْأُنْثَى لَوْ كَانَتْ فِي دَرَجَةِ الذَّكَرِ كَانَتْ عَصَبَةً بِهِ مُسْتَحِقَّةً مَعَهُ.
فَإِذَا كَانَتْ أَقْرَبَ مِنْهُ بِدَرَجَةٍ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْقُرْبِ فِي قُوَّةِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا فِي الْحِرْمَانِ، وَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ التَّعْصِيبَ كَانَ لِمَعْنَى النَّظَرِ لِلْأُنْثَى، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي ابْنَةٍ مَعَ ابْنِ الِابْنِ لِأَنَّ بِالتَّعْصِيبِ هُنَاكَ يُنْتَقَصُ حَقُّهَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَنَصِيبُ الْبِنْتِ الثُّلُثُ فَلِذَا جَعَلْنَاهَا عَصَبَةً بِابْنِ الِابْنِ وَحَقُّهَا بِدُونِ التَّعْصِيبِ النِّصْفُ وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ ابْنَةِ الِابْنِ مَعَ ابْنَةٍ وَاحِدَةٍ لِلصُّلْبِ فَإِنَّ بِالتَّعْصِيبِ هُنَاكَ بِابْنِ ابْنِ الِابْنِ لَا يَزْدَادُ نَصِيبُهَا بِحَالٍ، وَقَدْ يُؤَدِّي إلَى حِرْمَانِهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْبِنْتُ الصُّلْبِيَّةُ وَاحِدَةً فَحَقُّ ابْنَةُ الِابْنِ مَعَهَا السُّدُسُ دُونَ التَّعْصِيبِ.
وَلَوْ عَصْبنَا بِنْتَ الِابْنِ بِابْنِ ابْنِ الِابْنِ لَا يَزْدَادُ نَصِيبُهَا عَلَى السُّدُسِ فَإِنَّ الْبَاقِيَ مِنْ النِّصْفِ وَهُوَ النِّصْفُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ سَهْمٌ لِبِنْتِ الِابْنِ وَسَهْمَانِ لِابْنِ ابْنِ الِابْنِ كَمَا فِي غَيْرِ حَالَةِ التَّعْصِيبِ.
فَأَمَّا فِي التَّعْصِيبِ هُنَا تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى ابْنَةِ الِابْنِ بِاعْتِبَارِ زِيَادَةِ الْقُرْبِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ مَنْ كَانَتْ فِي دَرَجَةِ الذَّكَرِ هُنَا تَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَبْعَدَ مِنْ الْبَنَاتِ يَسْتَحِقُّ وَالْأَقْرَبُ يَصِيرُ مَحْرُومًا بِنِسْبَةِ الْمُحَالِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ.
فَصْلٌ، ثُمَّ جُمْلَةُ مَنْ يَرِثُ مَعَ الْأَوْلَادِ سِتَّةُ نَفَرٍ الْأَبُ وَالْجَدُّ لِأَبٍ، وَإِنْ عَلَا وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أُمُّ الْأُمِّ أَوْ أُمُّ الْأَبِ وَالزَّوْجَةُ، وَلَا يَرِثُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ مَعَ الِابْنِ بِالْفَرِيضَةِ لَا بِالْعُصُوبَةِ، وَلَا يَكُونُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ صَاحِبَ فَرْضٍ مَعَ الِابْنَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَرِثُ بِالْعُصُوبَةِ.
فَأَمَّا الْأَبُ فَلَهُ فِي الْمِيرَاثِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ فَرْضٌ وَعُصُوبَةٌ وَكِلَاهُمَا فَالْفَرْضُ مَعَ وُجُودِ الِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ وَالْعُصُوبَةُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى وَكِلَاهُمَا مَعَ الْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ وَفَرِيضَتُهُ السُّدُسُ لَا يَنْقُصُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ الْعَوْلِ، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ بِالْفَرِيضَةِ بِحَالٍ، وَذَلِكَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} فَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهُ صَاحِبُ فَرْضٍ مَعَ الْوَلَدِ، وَإِنَّ فَرِيضَتَهُ السُّدُسُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} مَعْنَاهُ وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَالَ مَتَى أُضِيفَ إلَى اثْنَيْنِ وَبُيِّنَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا مِنْهُ كَانَ لِلْآخَرِ مَا بَقِيَ فَذَلِكَ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهُ عَصَبَةٌ حَالَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَأَمَّا مَعَ الْبِنْتِ فَهُوَ صَاحِبُ فَرْضٍ يَأْخُذُ السُّدُسَ بِالْفَرِيضَةِ وَالْبِنْتُ تَأْخُذُ النِّصْفَ، ثُمَّ لِلْأَبِ مَا بَقِيَ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» وَهُوَ أَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ فَيَكُونُ عَصَبَةً فِيمَا بَقِيَ وَالْجَدُّ أَبُ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ يَقُومُ مَقَامَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُدْلِي بِهِ، وَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْأَبِ مَجَازًا إلَّا فِي فَصْلٍ وَهُوَ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَامْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ فَإِنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَ مَا بَقِيَ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ فَإِنْ كَانَ مَكَانُ الْأَبِ جَدًّا فَلِلْأُمِّ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ.
فَأَمَّا الْأُمُّ فَإِنَّهَا صَاحِبَةُ فَرْضٍ وَلَهَا فِي الْمِيرَاثِ حَالَانِ إمَّا السُّدُسُ وَإِمَّا الثُّلُثُ لَا تُنْقَصُ مِنْ السُّدُسِ إلَّا عِنْدَ الْعَوْلِ، وَلَا تُزَادُ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا عِنْدَ الرَّدِّ أَمَّا السُّدُسُ لَهَا مَعَ الْوَلَدِ ثَبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} وَالثُّلُثُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} وَالسُّدُسُ لَهَا مَعَ وُجُودِ الْإِخْوَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}، وَلَا خِلَافَ أَنَّ فَرْضِيَّتَهَا السُّدُسُ مَعَ الْوَلَدِ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ حَقِيقَةً لَهُمَا.
فَأَمَّا مَعَ الْإِخْوَةِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي فُصُولٍ بَعْدَ مَا اتَّفَقُوا أَنَّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ فِي هَذَا الْحُكْمِ سَوَاءٌ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ، وَعِنْدَ الِانْفِرَادِ حَتَّى أَنَّ فَرْضَهَا السُّدُسُ مَعَ الْأَخَوَاتِ الْمُفْرَدَاتِ كَمَا فِي الذُّكُورِ الْمُفْرَدِينَ وَكَمَا مَعَ الذُّكُورِ مَعَ الْإِنَاثِ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاطُ فِي الْمَثْنَى مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ فَعَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ الْفُقَهَاءِ فَرِيضَتُهَا السُّدُسُ مَعَهُمَا.
وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرِيضَتُهَا الثُّلُثُ مَعَهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونُوا أَثْلَاثًا لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ}، وَذَلِكَ اسْمُ جَمْعٍ وَأَدْنَى الْجَمْعِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ وَالْحَجْبُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ التَّيَقُّنِ بِشَرْطِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ قَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّ الْمَثْنَى مِنْ الْأَخَوَاتِ كَالثَّلَاثِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ}.
فَكَذَلِكَ الْمَثْنَى كَالثَّلَاثِ فِي الْحَجْبِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْبَنَاتِ أَنَّ الْمَثْنَى حُكْمُ الْجَمْعِ فِي الْحَجْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ جَمِيعًا، وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ نَوْعًا مِنْ الْمَجَازِ فَقَدْ حَمَلْنَا اللَّفْظَ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ النَّصِّ، وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ الْإِخْوَةُ لِأُمٍّ كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْإِخْوَةِ فِي حَجْبِ الْأُمِّ مِنْ الثُّلُثِ.
وَعَلَى قَوْلِ الزَّيْدِيَّةِ الْحَجْبُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ لِأَبٍ، وَلَا يَثْبُتُ بِالْإِخْوَةِ لِأُمٍّ قَالُوا لِأَنَّ هَذَا الْحَجْبَ بِمَعْنًى مَعْقُولٍ وَهُوَ عِنْدَ وُجُودِ الْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ لِأَبٍ يَكْثُرُ عِيَالُ الْأَبِ فَيُحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ مَالٍ لِلْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ وَالْأُمُّ لَا تَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ إذْ لَيْسَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ النَّفَقَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الْإِخْوَةِ لِأُمٍّ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ لَيْسَتْ عَلَى الْأَبِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الْأُمِّ فَهِيَ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ مَالٍ لِأَجْلِهِمْ فَلَا تُحْجَبُ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِاعْتِبَارِهِمْ وَحُجَّتُنَا ظَاهِرُ الْآيَةِ فَإِنَّ اسْمَ الْأُخُوَّةِ حَقِيقَةً لِلْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْأَخَ مَنْ جَاوَرَ غَيْرَهُ فِي صُلْبٍ، أَوْ رَحِمٍ، وَهَذَا حُكْمٌ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَقَوْلُهُمْ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْإِخْوَةَ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ إلَى السُّدُسِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ، وَلَا نَفَقَةَ هُنَا عَلَى الْأَبِ وَيُحْجَبُونَ إذَا كَانُوا كِبَارًا وَلَيْسَ عَلَى الْأَبِ مِنْ نَفَقَتِهِمْ شَيْءٌ ثُمَّ السُّدُسُ الَّذِي يُحْجَبُ عَنْهُ الْإِخْوَةُ لِأُمٍّ يَكُونُ لِلْأَبِ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ إنَّ ذَلِكَ لِلْإِخْوَةِ بَيَانُهُ فَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ أَبَوَيْنِ وَإِخْوَةً عِنْدَنَا لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ، وَعِنْدَهُ لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَالسُّدُسُ لِلْإِخْوَةِ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ طَاوُسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَعْطَى الْإِخْوَةَ السُّدُسَ مَعَ الْأَبَوَيْنِ»، وَلِأَنَّ مَنْ لَا يَرِثُ لَا يَحْجُبُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْإِخْوَةَ لَوْ كَانُوا كُفَّارًا، أَوْ أَرِقَّاءَ لَا يَحْجُبُونَ فَلَمَّا حَجَبُوا الْأُمَّ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ عَرَفْنَا أَنَّهُمْ وَرَثَةٌ مَعَ الْأَبِ، وَلَا يَرِثُونَ شَيْئًا مِنْ نَصِيبِ الْأَبِ لِأَنَّهُمْ يُدْلُونَ بِهِ، وَلِأَنَّ الْأَبَ أَقْرَبُ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يَتَّصِلُ بِالْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مِنْ الْمِيرَاثِ إلَّا مِقْدَارُ مَا نَقَصُوا مِنْ نَصِيبِ الْأُمِّ، وَذَلِكَ سُدُسٌ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} مَعْنَاهُ وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}، ثُمَّ هُنَاكَ الْمُرَادُ وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ وَحُكْمُ الْمَعْطُوفِ حُكْمُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ بَيَّنَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ حَالًا يَكُونُ الْوَارِثُ فِيهِ الْأَبَوَانِ فَقَطْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} فَبَيَّنَ نَصِيبَ الْأُمِّ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ نَصِيبِهَا بِوُجُودِ الْغَيْرِ فَيَبْقَى مَا سِوَى ذَلِكَ عَلَى مَا كَانَ وَهُوَ أَنَّ الْوَارِثَ هُمْ الْأَبَوَانِ فَقَطْ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ لَقِيت ابْنَ رَجُلٍ مِنْ الْإِخْوَةِ الَّذِينَ أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ السُّدُسَ مَعَ الْأَبَوَيْنِ فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ كَانَ ذَلِكَ وَصِيَّةً فَعَلَى هَذَا يَصِيرُ الْحَدِيثُ دَلِيلًا لَنَا لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ فَلَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِخْوَةَ بِالْوَصِيَّةِ مَعَ الْأَبَوَيْنِ عَرَفْنَا أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ وَالْمَعْنَى الَّذِي قَالَ هُوَ كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ لَا يَرِثُ لَا يَحْجُبُ غَيْرَ أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا فِي حَقِّ مَنْ يَحْجُبُهُ وَالْأَخُ وَارِثٌ فِي حَقِّ الْأُمِّ، وَإِنَّمَا يَحْجُبُ الْأُمَّ بِخِلَافِ الرَّقِيقِ وَالْكَافِرِ، ثُمَّ هُوَ مَحْجُوبٌ بِالْأَبِ لِأَنَّ حَالَّ الْإِخْوَةِ مَعَ وُجُودِ الْأُمِّ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ حَالِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْأُمِّ وَهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ شَيْئًا عِنْدَ عَدَمِ الْأُمِّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِي تَوْرِيثِ الْإِخْوَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ كَلَالَةً وَالْكَلَالَةُ مَنْ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ، وَلَا وَالِدٌ، وَهَذَا لَا يَتَغَيَّرُ بِوُجُودِ الْأُمِّ فَلِهَذَا لَا يَرِثُ الْأَخُ شَيْئًا مَعَ الْأَبِ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا تَثْبُتُ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ فِي الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ كَمَذْهَبِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ شَيْئًا فَكَيْفَ يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ وَيَخْتَلِفُونَ أَيْضًا فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ فَعَلَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِلْأُمِّ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ وَكَذَلِكَ فِي امْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ لِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ عِنْدَ مَنْ سَمَّيْنَا، وَعِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ وَحُكِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَقِيَ زَيْدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ نَشَدْتُك اللَّهَ هَلْ تَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ ثُلُثَ مَا بَقِيَ فَقَالَ لَا، وَلَكِنَّنِي قُلْت ذَلِكَ بِرَأْيِي فَقَالَ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ مِنْ رَأْيِك وَحُجَّتُهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} يَعْنِي ثُلُثَ التَّرِكَةِ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْله تَعَالَى {فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} وَعَلَى قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} يَعْنِي نِصْفَ مَا تَرَكَ.
فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}، ثُمَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْتَقَصَ نَصِيبُ الْأُمِّ بِالزَّوْجِ لِأَنَّ سَبَبَ وِرَاثَةِ الْأُمِّ أَقْوَى مِنْ سَبَبِ الزَّوْجِ فَإِنَّ سَبَبَ وِرَاثَتِهَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْصَ وَالدَّفْعَ فَهُوَ قَائِمٌ عِنْدَ الْوِرَاثَةِ، وَقَدْ تَرِثُ جَمِيعَ الْمَالِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بِخِلَافِ الزَّوْجِ.
وَلَوْ جَازَ أَنْ يُنْقَصَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا لِمَكَانِ الزَّوْجِ لَكَانَ الْأَوْلَى بِهِ الْأَبُ، وَقَدْ يُنْتَقَصُ نَصِيبُ الْأَبِ لِوُجُودِ الزَّوْجِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا تَرَكَتْ أَبَاهَا وَحْدَهُ كَانَ لَهُ جَمِيعُ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْأَبِ زَوْجُهَا فَلَهُ نِصْفُ الْمَالِ، وَلَا يُنْتَقَصُ نَصِيبُ الْأُمِّ لِمَكَانِ الزَّوْجِ بِحَالٍ فَإِدْخَالُ ضَرَرِ النُّقْصَانِ عَلَى الْأَبِ أَوْلَى مِنْهُ عَلَى الْأُمِّ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِقْهِيٌّ وَهُوَ أَنَّ الْأَبَ عَصَبَةٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلَا مُزَاحَمَةَ بَيْنَ الْعَصَبَاتِ وَأَصْحَابِ الْفَرَائِضِ، وَلَكِنَّ أَصْحَابَ الْفَرَائِضِ مُقَدَّمُونَ فَيُعْطُونَ فَرِيضَتَهُمْ، ثُمَّ مَا بَقِيَ لِلْعَصَبَةِ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ وَاعْتِبَارُ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ عِنْدَ وُجُودِ الْمُزَاحَمَةِ وَيُقَاسُ بِمَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ جَدٌّ فِي هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ وَحُجَّتنَا فِي ذَلِكَ {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} مَعْنَاهُ فَلِأُمِّهِ ثُلُثُ مَا وَرِثَهُ أَبَوَاهُ إذْ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى هَذَا صَارَ قَوْلُهُ {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} فَصْلًا خَالِيًا عَنْ الْفَائِدَةِ وَقَدْ كَانَ يَحْصُلُ الْبَيَانُ بِقَوْلِهِ {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} فَلَمَّا قَالَ هُنَا {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} عَرَفْنَا أَنَّهُ إنَّمَا جُعِلَ لَهَا مِيرَاثُ الْأَبَوَيْنِ وَمِيرَاثُ الْأَبَوَيْنِ مَا بَقِيَ بَعْدَ نَصِيبِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ عَلَّقَ إيجَابَ الثُّلُثِ لَهَا بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا عَدَمُ الْوَلَدِ وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ الْوَارِثُ أَبَوَيْنِ فَقَطْ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ} شَرْطٌ وقَوْله تَعَالَى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} عَطْفٌ عَلَى شَرْطٍ وَالْمَعْطُوفُ عَلَى الشَّرْطِ شَرْطٌ وَالْمُتَعَلِّقُ بِشَرْطَيْنِ كَمَا يَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِهِمَا يَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِ أَحَدِهِمَا فَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ ثُلُثَ جَمِيعِ التَّرِكَةِ لَهَا غَيْرُ مَنْصُوصٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى هَذَا الْمَعْنَى الْمَعْقُولِ وَهُوَ أَنَّ الْأَبَوَيْنِ فِي الْأُصُولِ كَالِابْنِ وَالْبِنْتِ فِي الْفُرُوعِ لِأَنَّ سَبَبَ وِرَاثَةِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَاحِدٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَّصِلٌ بِالْمَيِّتِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ تَفْضِيلُ الْبِنْتِ عَلَى الِابْنِ، وَلَا التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْفُرُوعِ بَلْ يَكُونُ لِلْأُنْثَى مِثْلَ نِصْفِ نَصِيبِ الذَّكَرِ.
فَكَذَلِكَ فِي الْأُصُولِ وَيُقَاسُ مَا بَقِيَ بَعْدَ نَصِيبِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ بِجَمِيعِ الْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ.
فَأَمَّا إذَا كَانَ مَكَانُ الْأَبِ جَدًّا فَيَقُولُ تَفْضِيلُ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ، أَوْ التَّسْوِيَةُ إنَّمَا تَجُوزُ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْقُرْبِ، وَلَا مُسَاوَاةَ فَالْأُمُّ مُتَّصِلَةٌ بِالْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَالْجَدُّ لَا يَتَّصِلُ بِهِ إلَّا بِوَاسِطَةٍ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْجَدَّ قَدْ يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ بِمَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ وَهُوَ الْأَبُ وَالْأُمُّ لَا تَحْرُمُ بِمَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهَا بِحَالٍ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فَلِهَذَا أَعْطَيْنَاهَا مَعَ الْجَدِّ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ وَمَعَ الْأَبِ ثُلُثَ مَا بَقِيَ وَكَانَ يَقُولُ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمِّ لَهَا ثُلُثُ مَا بَقِيَ مَعَ الزَّوْجِ وَثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ مَعَ الزَّوْجَةِ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ مَعَ الزَّوْجِ لَوْ أَعْطَيْنَاهَا ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ إلَّا السُّدُسُ فَيَكُونُ فِيهِ تَفْضِيلُ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ، وَلَا إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا.
فَأَمَّا الْجَدَّةُ فَهِيَ صَاحِبَةُ فَرْضٍ فَرِيضَتُهَا السُّدُسُ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَعْطَى الْجَدَّةَ السُّدُسَ» وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ أُمُّ الْأُمِّ وَأُمُّ الْأَبِ فَإِنْ اجْتَمَعَتَا فَالسُّدُسُ بَيْنَهُمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ أُمَّ الْأُمِّ جَاءَتْ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَتْ أَعْطِنِي مِيرَاثَ وَلَدِ ابْنَتِي فَقَالَ لَا أَجِدُ لَك فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى نَصِيبًا وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيك شَيْئًا، وَلَكِنِّي أُشَاوِرُ أَصْحَابِي فَجَمَعَهُمْ وَسَأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَشَهِدَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الْجَدَّةَ السُّدُسَ ثُمَّ جَاءَتْ أُمُّ الْأَبِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ أَعْطِنِي مِيرَاث وَلَدَ ابْنِي فَقَالَ لَا أَجِدُ لَك فِي كِتَابِ اللَّهِ نَصِيبًا وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيك شَيْئًا، وَلَكِنِّي أَرَى أَنَّ ذَلِكَ السُّدُسَ بَيْنَكُمَا إذَا اجْتَمَعَتَا وَهُوَ لِمَنْ انْفَرَدَ مِنْكُمَا، ثُمَّ لَا يَزْدَادُ نَصِيبُ الْجَدَّاتِ عَلَى السُّدُسِ، وَإِنْ كَثُرْنَ إلَّا عِنْدَ الرَّدِّ، وَلَا يُنْقَصُ إلَّا عِنْدَ الْعَوْلِ.
فَأَمَّا الزَّوْجُ فَهُوَ صَاحِبُ فَرْضٍ وَلَهُ حَالَانِ النِّصْفُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى وَالرُّبُعُ عِنْدَ وُجُودِهِ ثَبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} الْآيَةَ، وَلَا يَزْدَادُ الزَّوْجُ عَلَى النِّصْفِ بِذَلِكَ بِحَالٍ، وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الرُّبُعِ إلَّا عِنْدَ الْعَوْلِ وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَهِيَ صَاحِبَةُ فَرْضٍ وَلَهَا حَالَانِ الرُّبُعُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى وَالثُّمُنُ عِنْدَ وُجُودِهِ ثَبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} الْآيَةَ وَنَصِيبُ الزَّوْجَاتِ بَيْنَهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ اثْنَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا لَا يُزَادُ لَهُنَّ عَلَى الرُّبُعِ بِحَالٍ، وَلَا يُنْقَصُ عَنْ الثُّمُنِ إلَّا عِنْدَ الْعَوْلِ، وَلَا يُحْجَبُ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ عَنْ الْمِيرَاثِ بِأَحَدٍ، وَلَا سَبَبٍ إلَّا بِقَتْلٍ، أَوْ كُفْرٍ، أَوْ رِقٍّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَجْبَ نَوْعَانِ حَجْبُ حِرْمَانٍ وَحَجْبُ نُقْصَانٍ فَحَجْبُ الْحِرْمَانِ نَحْوُ حَجْبِ الْأَجْدَادِ بِالْأَبِ وَالْجَدَّاتِ بِالْأُمِّ وَحَجْبُ النُّقْصَانِ نَحْوُ حَجْبِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ حَجْبَ الْحِرْمَانِ لَا يَثْبُتُ بِمَنْ هُوَ غَيْرُ وَارِثٍ بِسَبَبِ الْقَتْلِ أَوْ الرِّقِّ، أَوْ اخْتِلَافِ الدِّينِ وَكَذَلِكَ حَجْبُ النُّقْصَانِ فِي أَكْثَرِ قَوْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثَبَتَ حَجْبُ النُّقْصَانِ بِمَنْ لَا يَكُونُ وَارِثًا وَاسْتَدَلَّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ هَذَا الْحَجْبُ بِالنَّصِّ ثَابِتٌ بِالْوَلَدِ وَبِالْإِخْوَةِ وَبِسَبَبِ الرِّقِّ وَالْقَتْلِ وَالْكُفْرِ لَا بِقَيْدِ هَذَا الِاسْمِ فَالتَّقْيِيدُ بِكَوْنِ الْأَخِ وَالْوَلَدِ وَارِثًا زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ، وَهَذَا بِخِلَافِ حَجْبِ الْحِرْمَانِ لِأَنَّ حَجْبَ الْحِرْمَانِ بِاعْتِبَارِ تَقْدِيمِ الْأَقْرَبِ عَلَى الْأَبْعَدِ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْأَقْرَبُ مُسْتَحِقًّا.
فَأَمَّا حَجْبُ النُّقْصَانِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ السَّبَبَ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ وَالْإِخْوَةِ لَا يُوجِبُ لَهُ إلَّا أَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ وَالْأَخُ وَارِثًا، وَلَا يَكُونُ وَارِثًا وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ مَنْ لَيْسَ بِوَارِثٍ جُعِلَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ كَالْمَيِّتِ.
فَكَذَلِكَ فِي الْحَجْبِ هُوَ كَالْمَيِّتِ وَكَمَا أَنَّهُ مَعَ الرِّقِّ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَلَدًا فَبِالْمَوْتِ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَلَدًا، ثُمَّ شَرَطْنَا كَوْنَهُ وَلَدًا حَيًّا لِلْحَجْبِ بِالِاتِّفَاقِ.
فَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ وَارِثًا حُرًّا لِلْحَجْبِ وَنَفْسُ حَجْبِ النُّقْصَانِ عَلَى حَجْبِ الْحِرْمَانِ فِي الْمَعْنَى لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ فِي حَجْبِ الْحِرْمَانِ تَقْدِيمُ الْأَقْرَبِ فِي الْكُلِّ، وَفِي حَجْبِ النُّقْصَانِ تَقْدِيمُ الْحَاجِبِ عَلَى الْمَحْجُوبِ فِي الْبَعْضِ.
فَإِذَا شُرِطَ هُنَاكَ صِفَةُ الْوِرَاثَةِ فِي الْحَاجِبِ.
فَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
.