فصل: كِتَابُ الْخُنْثَى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.كِتَابُ الْخُنْثَى:

(قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) ذُكِرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي قَوْمٍ لَهُ مَا لِلْمَرْأَةِ وَمَا لِلرَّجُلِ كَيْفَ يَرِثُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ» وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَنْ قَتَادَةَ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَرِثُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ، وَهَذَا حُكْمٌ كَانَ عَلَيْهِ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى مَا يُحْكَى أَنَّ قَاضِيًا فِيهِمْ رُفِعَتْ إلَيْهِ هَذِهِ الْحَادِثَةُ فَجَعَلَ يَقُولُ هُوَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَاسْتَبْعَدَ قَوْمُهُ ذَلِكَ فَتَحَيَّرَ وَدَخَلَ بَيْتَهُ فِي الِاسْتِرَاحَةِ فَجَعَلَ يَتَقَلَّبُ عَلَى فِرَاشِهِ وَلَا يَأْخُذُهُ النَّوْمُ لِتَحَيُّرِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَكَانَتْ لَهُ بُنَيَّةٌ فَغَمَزَتْ رِجْلَيْهِ فَسَأَلَتْهُ عَنْ تَفَكُّرِهِ فَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ وَقَالَتْ دَعْ الْحَالَ وَابْتَغِ الْمَبَالَ فَخَرَجَ إلَى قَوْمِهِ وَحَكَمَ بِذَلِكَ فَاسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ مِنْهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ حُكْمَهُ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَرَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَيَجِيءُ مِنْ الْمَعْنَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ مَا يَقَعُ بِهِ الْفَصْلُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عِنْدَ الْوِلَادَةِ الْآلَةُ، وَذَلِكَ فِي الْآدَمِيِّ وَفِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، وَعِنْدَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ مِنْ الْأُمِّ مَنْفَعَةُ تِلْكَ الْآلَةِ خُرُوجُ الْبَوْلِ مِنْهَا وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْأَصْلِيَّةَ فِي الْآلَةِ أَنَّهَا الْمَبَالُ، فَإِذَا كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرَّجُلِ عَرَفْنَا أَنَّ آلَةَ الْفَصْلِ فِي حَقِّهِ هَذَا وَأَنَّ الْآخَرَ زِيَادَةُ خَرْقٍ فِي الْبَدَنِ، فَإِذَا كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ عَرَفْنَا أَنَّ الْآلَةَ هَذَا وَأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَبَالَيْنِ فِي الْبَدَنِ، فَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَالْحُكْمُ لِأَسْبَقِهِمَا خُرُوجًا لِلْبَوْلِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالسَّبْقِ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ، وَالْمُسَاوَاةُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ، وَلِأَنَّهُ كَمَا خَرَجَ الْبَوْلُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَدْ حُكِمَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَبَالِ الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مَا خَرَجَ عَلَامَةَ تَمَامِ الْفَصْلِ وَبَعْدَ مَا حُكِمَ لَهُ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ لَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِخُرُوجِ ذَلِكَ الْبَوْلِ مِنْ الْآلَةِ الْأُخْرَى فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ وَقَضَى لَهُ بِهَا ثُمَّ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ لَا يُلْتَفَتُ لِلْبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى نَسَبَ مَوْلُودٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقَضَى لَهُ بِهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ آخَرُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْهُمَا جَمِيعًا مَعًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُورَثُ بِأَكْثَرِهِمَا بَوْلًا؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ بِزِيَادَةِ الْقُوَّةِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْكَثْرَةِ كَمَا يَكُونُ بِالسَّبْقِ إذْ لَا مُزَاحَمَةَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا لَا مُزَاحَمَةَ بَيْنَ اللَّاحِقِ وَالسَّابِقِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ أَكْثَرُ هُوَ الْمَبَالُ فَالْحُكْمُ لِلْمَبَالِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ أَبَى ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ كَثْرَةَ الْبَوْلِ تَدُلُّ عَلَى سَعَةِ الْمَخْرَجِ وَلَا مُعْتَبَرَ لِذَلِكَ فَمَخْرَجُ بَوْلِ النِّسَاءِ أَوْسَعُ مِنْ مَخْرَجِ بَوْلِ الرِّجَالِ، وَالثَّانِي أَنَّ الْكَثْرَةَ وَالْقِلَّةَ تَظْهَرُ فِي الْبَوْلِ لَا فِي الْمَبَالِ، وَالْآلَةُ الْفَصْلُ الْمَبَالُ دُونَ الْبَوْلِ، وَبِاعْتِبَارِ السَّبْقِ يَأْخُذُ السَّابِقُ اسْمَ الْمَبَالِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الْآخَرُ ذَلِكَ الِاسْمَ، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَقَدْ أَخَذَا اسْمَ الْمَبَالِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ لَا يَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ وَقِلَّتِهِ ثُمَّ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتَقْبَحَ التَّرْجِيحَ بِالْكَثْرَةِ عَلَى مَا يُحْكَى عَنْهُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا قَالَ بَيْنَ يَدَيْهِ يُورَثُ مِنْ أَكْثَرِهِمَا بَوْلًا قَالَ يَا أَبَا يُوسُفَ وَهَلْ رَأَيْت قَاضِيًا يَكِيلُ الْبَوْلَ بِالْأَوَانِي؟، فَقَدْ اسْتَبْعَدَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْقُبْحِ وَتَوَقَّفَ فِي الْجَوَابِ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لِلتَّمْيِيزِ بِالرُّجُوعِ إلَى الْمَعْقُولِ وَلَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصًّا فَتَوَقَّفَ وَقَالَ: لَا أَدْرِي، وَهَذَا مِنْ عَلَامَةِ فِقْهِ الرَّجُلِ وَوَرَعِهِ أَنْ لَا يَخْبِطَ فِي الْجَوَابِ عَلَى مَا حُكِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ لَا أَدْرِي ثُمَّ قَالَ بَخٍ بَخٍ، لِابْنِ عُمَرَ سُئِلَ عَمَّا لَا يَدْرِي فَقَالَ لَا أَدْرِي وَكَذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَالَا إذَا اسْتَوَيَا فِي الْمِقْدَارِ لَا عِلْمَ لَنَا بِذَلِكَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ أَوْ وَقَفَ فِيهِ عَلَى دَلِيلٍ لِيَكُونَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ لَا عِلْمَ لَنَا بِهِ بِقَضَايَا فِيهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا الَّذِي هُوَ مُشْكِلٌ لَا يَخْلُو إذَا بَلَغَ هَذِهِ الْمَعَالِمَ وَإِنَّمَا لَا يَبْقَى الْإِشْكَالُ فِيهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَزُولَ الْإِشْكَالُ بِظُهُورِ عَلَامَةٍ فِيهِ فَإِنَّهُ إذَا جَامَعَ بِذَكَرِهِ أَوْ خَرَجَتْ لَهُ لِحْيَةٌ أَوْ احْتَلَمَ كَمَا يَحْتَلِمُ الرِّجَالُ فَهُوَ رَجُلٌ وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَقْبُولٌ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ فِي بَاطِنِهِ لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ، وَقَوْلُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا مَقْبُولٌ فِيمَا يُخْبِرُ عَمَّا فِي بَاطِنِهِ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ ثَدْيَانِ مِثْلُ ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ أَوْ رَأَى حَيْضًا كَمَا تَرَى النِّسَاءُ أَوْ كَانَ يُجَامَعُ؟ كَالْمَرْأَةِ أَوْ ظَهَرَ بِهِ حَبَلٌ أَوْ نَزَلَ فِي ثَدْيَيْهِ لَبَنٌ فَهُوَ امْرَأَةٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ عَلَامَاتِ الْفَصْلِ لِلْبُلُوغِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ بَعْضُهَا عِنْدَ بُلُوغِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو إذَا بَلَغَ عَنْ هَذِهِ الْمَعَالِمِ.
قُلْنَا لَا يَبْقَى الْإِشْكَالُ فِيهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي صِغَرِهِ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي مِيرَاثِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ فِيمَا سَبَقَ.
وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ وَقَدْ رَاهَقَ لَمْ يَغْسِلْهُ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ وَلَكِنْ يُيَمَّمُ الصَّعِيدَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ النَّظَرَ إلَى الْعَوْرَةِ حَرَامٌ وَبِالْمَوْتِ لَا تَنْكَشِفُ هَذِهِ الْحُرْمَةُ إلَّا أَنَّ نَظَرَ هَذَا الْجِنْسِ أَخَفُّ فَلِأَجْلِ الضَّرُورَةِ أُبِيحَ النَّظَرُ لِلْجِنْسِ عِنْدَ الْغُسْلِ، وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ فِي وُجُوبِ سَتْرِ عَوْرَتِهِ، فَإِذَا كَانَ هُوَ مُشْكِلًا لَا يُوجَدُ لَهُ جِنْسٌ أَوْ لَا يُعْرَفُ جِنْسُهُ أَنَّهُ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ مِنْ النِّسَاءِ فَيُعْذَرُ عَلَيْهِ لِانْعِدَامِ مَنْ يُغَسِّلُهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ لِانْعِدَامِ مَا يُغْسَلُ بِهِ فَيُيَمَّمُ الصَّعِيدَ، وَهُوَ نَظِيرُ امْرَأَةٍ تَمُوتُ بَيْنَ رِجَالٍ لَيْسَ مَعَهُمْ امْرَأَةٌ فَإِنَّهَا تُتَيَمَّمُ الصَّعِيدَ فَهَذَا مِثْلُهُ، فَإِنْ كَانَ مَنْ يُيَمِّمُهُ مِنْ النِّسَاءِ يَمَّمَتْهُ بِغَيْرِ خِرْقَةٍ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مِنْ الرِّجَالِ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ يَمَّمَهُ بِخِرْقَةٍ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِهِ وَيُعْرِضُ بِوَجْهِهِ عَنْ ذِرَاعَيْهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، وَفِي هَذَا أَخْذٌ بِالِاحْتِيَاطِ فِيمَا بُنِيَ أَمْرُهُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَهُوَ السِّنُّ وَالنَّظَرُ إلَى الْعَوْرَةِ.
وَإِنْ سَجَّى دُبُرَهُ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَوْعَ احْتِيَاطٍ فَلَعَلَّهُ امْرَأَةٌ وَمَبْنَى حَالِهَا عَلَى السِّتْرِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُسَجِّيَ دُبُرَ الرَّجُلِ عِنْدَ الْعُذْرِ كَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْمَطَرِ، وَاشْتِبَاهُ حَالِهِ فِي الْعُذْرِ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى السَّرِيرِ مَقْلُوبًا فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُحْمَلُ عَلَى السَّرِيرِ مُسْتَوِيًا بِغَيْرِ نَعْشٍ وَالْمَرْأَةُ تَحْتَ نَعْشٍ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى السَّرِيرِ بِغَيْرِ نَعْشٍ وَهُوَ امْرَأَةٌ كَانَ فِيهِ تَشْبِيهُ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، وَإِنْ جُعِلَ عَلَى سَرِيرِهِ النَّعْشُ كَانَ فِيهِ تَشْبِيهُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ إذَا كَانَ رَجُلًا فَأَوْلَى الْوَجْهَيْنِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى سَرِيرِهِ مَقْلُوبًا، وَإِنْ جُعِلَ عَلَى السَّرِيرِ النَّعْشُ فِيهِ الْمَرْأَةُ فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى السِّتْرِ وَالسِّتْرُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ عِنْدَ اشْتِبَاهِ الْأَمْرِ، وَيُدْخِلُهُ قَبْرَهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ أُنْثَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُرْمِسَهُ مَنْ هُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُرْمِسَهُ مَحْرَمُهُ عِنْدَ الْإِدْخَالِ فِي قَبْرِهِ فَكَانَ هَذَا أَحْوَطَ الْوَجْهَيْنِ، وَيُكَفَّنُ كَمَا تُكَفَّنُ الْجَارِيَةُ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى السَّتْرِ وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي كَفَنِ الرَّجُلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ جَائِزَةٌ، وَاشْتِبَاهُ أَمْرِهِ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ الْعُذْرِ فَلِهَذَا يُكَفَّنُ كَمَا تُكَفَّنُ الْجَارِيَةُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ يُؤْمَرُ بِالسِّتْرِ وَيُنْهَى عَنْ الْكَشْفِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَا كَانَ أَقْرَبُ إلَى السِّتْرِ فِي حَقِّهِ فَهُوَ أَوْلَى وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ فِي شَيْءٍ إلَّا غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» وَأَكْرَهُ فِي حَيَاتِهِ لُبْسَ الْحُلِيِّ وَالْحَرِيرِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الذَّهَبَ بِيَمِينِهِ وَالْحَرِيرَ بِشِمَالِهِ وَقَالَ «هَذَانِ حَرَامَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهَا» فَإِنَّمَا أَبَاحَ اللُّبْسَ بِشَرْطِ أُنُوثَةِ اللَّابِسِ، وَهَذَا الشَّرْطُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فِي الْخُنْثَى، ثُمَّ مَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ يَتَرَجَّحُ مَعْنَى الْحَظْرِ فِيهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ فَدَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَتَرْكُ لُبْسِ الْحَرِيرِ لَا يَرِيبُهُ وَلُبْسُهُ يَرِيبُهُ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الِاجْتِنَابَ عَنْ الْحَرَامِ فَرْضٌ وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْمُبَاحِ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي تَرْكِ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِكَيْ لَا يَكُونَ مُوَاقِعًا لِلْحَرَامِ إنْ كَانَ رَجُلًا، وَإِنْ قَبَّلَهُ رَجُلٌ بِشَهْوَةٍ لَمْ يَتَزَوَّجْ أُمَّهُ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى فَتَقْبِيلُهُ بَعْدَ مَا رَاهَقَ يُثْبِتُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ فَتَكُونُ أُمُّهُ حَرَامًا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَتَرْكُ نِكَاحِ امْرَأَةٍ تَحِلُّ لَهُ أَوْلَى مِنْ نِكَاحِ امْرَأَةٍ هِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ زَوَّجَهُ أَبُوهُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فَلَا عِلْمَ لِي بِنِكَاحِهِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ إلَى أَنْ يَبْلُغَ؛ لِأَنَّ الذَّكَرَ يَدْخُلُ فِي النِّكَاحِ دُخُولَ الْمَالِكِينَ، وَالْأُنْثَى تَصِيرُ مَمْلُوكَةً بِالنِّكَاحِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ وَاحِدٍ مِنْ الْوَصْفَيْنِ فِي حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَلَا وَجْهَ لِإِبْطَالِ إنْكَاحِ الْوَلِيِّ فِي حَالِ قِيَامِ وِلَايَتِهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَيَكُونُ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَبْلُغَ، فَإِنْ ظَهَرَتْ فِيهِ عَلَامَةُ الرِّجَالِ وَقَدْ زَوَّجَهُ أَبُوهُ امْرَأَةً حُكِمَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ مِنْ حِينِ عَقْدِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ تَصَرُّفَهُ صَادَفَ مَحَلَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا أُجِّلَ كَمَا يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ، وَإِنْ كَانَ زَوَّجَهُ أَبُوهُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ ظَهَرَ بِهِ عَلَامَةُ الرِّجَالِ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَكَانَ بَاطِلًا.
وَإِنْ أَحْرَمَ وَقَدْ رَاهَقَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا عِلْمَ لِي بِلِبَاسِهِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ فِي إحْرَامِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُ الْمِخْيَطِ، وَالْمَرْأَةُ فِي إحْرَامِهَا يَلْزَمُهَا لُبْسُ الْمِخْيَطِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا الِاكْتِفَاءُ بِلُبْسِ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ فَلَمَّا اسْتَوَى الْجَانِبَانِ لَا يُمْكِنُ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ حُجَّةٍ فَتَوَقَّفَ فِيهِ وَقَالَ لَا عِلْمَ لِي بِلِبَاسِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَلْبَسُ لِبَاسَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى السِّتْرِ، وَمَبْنَى حَالِهِ عَلَى السَّتْرِ كَمَا فِي غَيْرِ حَالَةِ الْإِحْرَامِ وَلِأَنَّ لُبْسَ الْمِخْيَطِ لِلرَّجُلِ فِي إحْرَامِهِ جَائِزٌ عِنْدَ الْعُذْرِ، وَاشْتِبَاهُ أَمْرِهِ مِنْ أَبْلَغِ الْأَعْذَارِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ، وَكَفَّارَةُ الْإِحْرَامِ بِارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ لَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْبَالِغِ عِنْدَنَا وَيُصَلِّي بِقِنَاعٍ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى السِّتْرِ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَالتَّقَنُّعُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ صَلَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَإِنَّهَا تُؤْمَرُ بِالتَّقَنُّعِ فِي صَلَاتِهَا إذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً، فَعِنْدَ الِاشْتِبَاهِ يَتَرَجَّحُ هَذَا الْجَانِبُ، وَيَجْلِسُ فِي صَلَاتِهِ كَجُلُوسِ الْمَرْأَةِ مَعْنَاهُ يُخْرِجُ رِجْلَيْهِ مِنْ جَانِبٍ وَيُفْضِي بِأَلْيَتَيْهِ إلَى الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى السِّتْرِ وَلِأَنَّ الرَّجُلَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَجْلِسَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْعُذْرِ، وَاشْتِبَاهُ الْحَالِ أَبْيَنُ الْأَعْذَارِ، وَيَكُونُ فِي الْجَمَاعَةِ خَلْفَ صَفِّ الرِّجَالِ وَأَمَامَ صَفِّ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الِاحْتِيَاطِ فِيهِ؛ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَوُقُوفُهُ فِي صَفِّ النِّسَاءِ يُفْسِدُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً فَوُقُوفُهَا يُفْسِدُ صَلَاةَ مَنْ عَنْ يَمِينِهَا وَعَنْ يَسَارِهَا وَمَنْ خَلْفَهَا مِنْ الرِّجَالِ بِحِذَائِهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَاهِقَةَ فِي هَذَا كَالْبَالِغَةِ اسْتِحْسَانًا فَإِذَا وَقَفَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ أَمَامَ صَفِّ النِّسَاءِ نَتَيَقَّنُ بِجَوَازِ صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ جَمِيعِ الْقَوْمِ، فَإِنْ وَقَفَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ وَالسُّقُوطُ بِهَذَا الْأَدَاءِ مُشْتَبِهٌ وَالْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ أَحَبُّ إلَيَّ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ وَهُوَ الْأَدَاءُ مَعْلُومٌ وَالْمُفْسِدُ وَهُوَ مُحَاذَاةُ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ فِي صَلَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ مَوْهُومٌ فَلِلتَّوَهُّمِ أُحِبُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ أَقَامَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ بِجَوَازِ صَلَاتِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَيُعِيدُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ سَجَدَاتِ صَلَاتِهِمْ وَالْمُرَادُ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مُحَاذَاةَ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ فِي حَقِّهِمْ مَوْهُومٌ وَمَبْنَى الْعِبَادَةِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا صَلَاتَهُمْ لِهَذَا.
وَإِنْ مَاتَ هَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَعَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وُضِعَ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالْخُنْثَى خَلْفَهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الْخُنْثَى اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ فَإِنَّ صَفَّ الرِّجَالِ أَقْرَبُ إلَى الْإِمَامِ مِنْ صَفِّ الْخَنَاثَى لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» فَقَدْ أَمَرَ بِأَنْ يُقَرَّبَ مِنْهُ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} وَلِلرِّجَالِ زِيَادَةُ دَرَجَةٍ عَلَى النِّسَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ جِنَازَةُ الرَّجُلِ أَقْرَبُ إلَى الْإِمَامِ مِنْ جِنَازَةِ النِّسَاءِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ لِتَرَدُّدِ الْحَالِ فِيهِ تُجْعَلُ جِنَازَتُهُ خَلْفَ جِنَازَةِ الرَّجُلِ وَأَمَامَ جِنَازَةِ الْمَرْأَةِ، فَإِنْ دُفِنُوا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ عُذْرٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَ يَوْمَ أُحُدٍ أَنْ يُدْفَنَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّهَدَاءِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَأَنْ يُجْعَلَ بَيْنَ كُلَّ مَيِّتِينَ حَاجِزٌ مِنْ التُّرَابِ» فَيُفْعَلُ كَذَلِكَ هُنَا وَيُوضَعُ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ ثُمَّ خَلْفَهُ الْخُنْثَى ثُمَّ خَلْفَهُ الْمَرْأَةَ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ أَشْرَفُ فَيَكُونُ الرَّجُلُ بِالْقُرْبِ مِنْهُ أَحَقَّ.
(أَلَا تَرَى) فِي حَدِيثِ أُحُدٍ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِتَقْدِيمِ أَكْثَرِهِمْ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ إلَى جَانِبِ الْقِبْلَةِ» وَيُجْعَلُ بَيْنَ كُلِّ مَيِّتِينَ حَاجِزٌ مِنْ الصَّعِيدِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ فِي حُكْمِ قَبْرَيْنِ.
وَإِنْ قَذَفَ رَجُلًا بَعْدَ مَا بَلَغَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ أَوْ سَرَقَ مِنْهُ أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْبُلُوغِ مُخَاطَبًا وَحَدُّ الْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ لَا يَخْتَلِفُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ، وَاشْتِبَاهُ حَالِهِ لَا يَمْنَعُ بِتَحَقُّقِ قَذْفِهِ مُوجِبًا لِلْحَدِّ عَلَيْهِ وَلَا تَحَقُّقِ سَرِقَتِهِ وَالسَّرِقَةِ مِنْهُ مُوجِبَ الْقَطْعِ، وَإِنْ قَذَفَهُ رَجُلٌ فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْنُونِ وَالرَّتْقَاءِ إذَا قَذَفَهَا رَجُلٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَاذِفَ يَسْتَوْجِبُ الْحَدَّ بِنِسْبَةِ الرَّجُلِ إلَى فِعْلٍ يُبَاشِرُهُ وَنِسْبَةِ الْمَرْأَةِ إلَى التَّمْكِينِ مِنْ فِعْلٍ يُبَاشِرُهُ غَيْرُهَا، وَمَعَ اشْتِبَاهِ أَمْرِهِ لَا يَتَقَدَّرُ السَّبَبُ وَلَا يَدْرِي أَنَّ قَاذِفَهُ إلَى أَيِّ فِعْلٍ نَسَبَهُ، فَإِنْ كَانَ نَسَبَهُ إلَى مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ وَهُوَ امْرَأَةٌ كَانَ قَدْ نَسَبَهُ إلَى مُحَالٍ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَاذِفِ الرَّتْقَاءِ وَالْمَجْنُونِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ نَسَبَهُ إلَى التَّمْكِينِ وَهُوَ رَجُلٌ كَانَ قَدْ نَسَبَهُ إلَى مَا هُوَ قَاصِرٌ فِي حَقِّهِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ اشْتِبَاهِ الْأَمْرِ لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ.
وَإِذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ أَوْ امْرَأَةٌ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْقَاطِعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ يَخْتَلِفُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَفِي الْأَطْرَافِ، فَإِنْ كَانَ الْقَاطِعُ رَجُلًا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ إذَا كَانَتْ هِيَ امْرَأَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْقَاطِعُ امْرَأَةً لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ إذَا كَانَ هُوَ رَجُلًا، فَعِنْدَ الِاشْتِبَاهِ يَتَمَكَّنُ فِيهِ الشُّبْهَةُ، وَالْقِصَاصُ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَبِهِ فَارَقَ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ كَانَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِتَيَقُّنِنَا بِوُجُوبِهِ وَتَقَرُّرِ سَبَبِهِ، وَلَوْ قَطَعَ هَذَا الْخُنْثَى يَدَ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ قَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ وَلَكِنَّ الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَغِيرٌ لَمْ يَبْلُغْ فَعَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ، وَلَوْ صَلَّى بِغَيْرِ قِنَاعٍ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ لَمْ آمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّ أَسْوَأَ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى وَالْمُرَاهِقَةُ إذَا صَلَّتْ بِغَيْرِ قِنَاعٍ لَا تُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ اسْتِحْسَانًا زَادَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَصَلَّى بِغَيْرِ قِنَاعٍ أَمَرْته أَنْ يُعِيدَ، وَهَذَا بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ وَلَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ مُشْكِلًا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَإِنْ تُصُوِّرَ يُحْكَمُ بِهَذَا، وَأَكْرَهُ لَهُ أَنْ يَنْكَشِفَ قُدَّامَ الرِّجَالِ وَقُدَّامَ النِّسَاءِ إذَا كَانَ قَدْ رَاهَقَ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ لِتَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً وَالْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ لَا كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ لَجَازَ لِلْخُنْثَى التَّكَشُّفُ مِنْ النِّسَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ التَّكَشُّفِ إبْدَاءَ مَوْضِعِ الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِغَيْرِ الْخُنْثَى أَيْضًا وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَا فِي إزَارٍ وَاحِدٍ وَفِي هَذَا الْفَصْلِ رِوَايَتَانِ بَيَّنَّاهُمَا فِي الِاسْتِحْسَانِ.
وَأَكْرَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِهِ مَنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لَهُ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «أَلَا لَا يَخْلُونَ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» وَإِذَا خَلَى الْخُنْثَى بِرَجُلٍ فَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ فَتَكُونُ هَذِهِ خَلْوَةُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ وَإِذَا خَلَا بِامْرَأَةٍ فَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ ذَكَرٌ خَلَا بِأَجْنَبِيَّةٍ وَالْمُرَاهِقَةُ فِي الْمَنْعِ مِنْ هَذِهِ الْخَلْوَةِ كَالْبَالِغَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ.
وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ أَنْ تُسَافِرَ مَعَهُ امْرَأَةٌ مَحْرَمًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّ الْخُنْثَى أُنْثَى فَتَكُونُ هَذِهِ مُسَافَرَةُ امْرَأَتَيْنِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ لَهُمَا وَذَلِكَ حَرَامٌ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُسَافِرَ الْخُنْثَى إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ مِنْ الرِّجَالِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ أُنْثَى، وَلَا يَجُوزُ شَهَادَتُهُ حَتَّى يُدْرِكَ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ يَعْدَمُ أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ، وَأَكْرَهُ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ الْحُلِيَّ وَالذَّهَبَ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا.
وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ وَلَدَانِ خُنْثَيَانِ فَمَاتَ أَبُوهُمَا أَحْرَزَا مِيرَاثَهُ كُلَّهُ فِي قَوْلِ الشَّعْبِيِّ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ يَرِثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ مِيرَاثِ رَجُلٍ وَنِصْفَ مِيرَاثِ أُنْثَى، وَعِنْدَنَا مَا زَادَ عَلَى نَصِيبِ الِابْنَتَيْنِ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُمَا وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي فَرَائِضِ الْخُنْثَى وَلَا يَرِثُ الْخُنْثَى بِوَلَاءِ الْغَيْرِ مَا لَمْ يَسْتَبِنْ أَمْرُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمِيرَاثِ أُنْثَى.
وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِمَا فِي بَطْنِ امْرَأَةٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ كَانَ غُلَامًا وَبِخَمْسِمِائَةٍ إنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ هَذَا الْخُنْثَى قَالَ يُوقَفُ الْخَمْسُمِائَةِ الْفَاضِلَةُ فِي قَوْلِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَقَدْ جَعَلْنَاهُ فِي الْمِيرَاثِ كَالْأُنْثَى مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَمْرُهُ، وَهَذَا لِأَنَّا لَا نُعْطِيهِ إلَّا بِالْمُتَيَقَّنِ بِهِ وَالْمُتَيَقَّنُ بِهِ هُوَ الْأَقَلُّ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ سَبْعُمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْخُنْثَى فِي الْمِيرَاثِ بِمَنْزِلَةِ نِصْفِ رَجُلٍ وَنِصْفِ امْرَأَةٍ فَكَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَحْوَالِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ أَصْلٌ مُعْتَبَرٌ فِي الشَّرْعِ، وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ جَارِيَةً فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ هَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَلَا الْعَتَاقُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالشَّرْطِ لَا يُنْجَزُ مَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ حَقِيقَةً وَمَعَ الْإِشْكَالِ لَا يَتَبَيَّنُ وُجُودُ الشَّرْطِ فَهَذَا نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَدْخُلْ دَارَ فُلَانٍ فَعَبْدُهُ حُرٌّ ثُمَّ مَاتَ وَلَا يُعْلَمُ أَدَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لَا يُحْكَمُ بِوُقُوعِ الْعِتْقِ لِهَذَا الْمَعْنَى فَكَذَلِكَ هُنَا، فَإِنْ فَرَضَ لِهَذَا الْخُنْثَى فِي الْغَنِيمَةِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ وَإِنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ وَصَحَّ لَهُ بِسَهْمٍ؛ لِأَنَّهُ صَغِيرٌ مَا دَامَ مُشْكِلَ الْحَالِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْإِشْكَالَ لَا يَبْقَى بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلِأَنَّهُ مُتَرَدِّدُ الْحَالِ فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ إلَّا أَدْنَى الْأَمْرَيْنِ وَكَذَلِكَ الرَّضْخُ دُونَ السَّهْمِ.
وَإِنْ أَخَذَ الْخُنْثَى أَسِيرًا مِنْ الْكُفَّارِ أَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَمْ يُقْتَلْ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ عُقُوبَةٌ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي حَالِ الصِّغَرِ وَالصَّغِيرُ لَا يَسْتَوْجِبُ الْعُقُوبَةَ أَوْ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَيُتَوَهَّمُ كَوْنُهُ أُنْثَى، وَإِنْ كَانَ الْخُنْثَى مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يُوضَعْ عَلَيْهِ خَرَاجُ رَأْسِهِ لِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ وَكَذَلِكَ لَا يَدْخُلُ الْخُنْثَى فِي الْقَسَامَةِ مَعَ الْعُقَلَاءِ وَلِتَوَهُّمِ الْأُنُوثَةِ.
وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ كُلُّ عَبْدٍ لِي حُرٌّ أَوْ قَالَ كُلُّ أَمَةٍ لِي حُرَّةٌ وَلَهُ مَمْلُوكٌ خُنْثَى لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ، وَإِنْ قَالَ الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ تَيَقُّنِ الْجَمْعِ فَإِنَّ الْإِيجَابَ يَتَنَاوَلُهُ بِأَحَدِ اللَّفْظَيْنِ، وَعِنْدَ الِانْفِرَادِ بِأَحَدِ اللَّفْظَيْنِ لَا يُتَيَقَّنُ ذَلِكَ وَالرِّقُّ فِيهِ يَقِينٌ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ إنْ مَلَكْت عَبْدًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَاشْتَرَى الْخُنْثَى لَمْ تَطْلُقُ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا طَلُقَتْ بِشِرَاءِ الْخُنْثَى لِتَيَقُّنِنَا بِوُجُودِ الشَّرْطِ.
وَإِنْ قَالَ الْخُنْثَى أَنَا رَجُلٌ أَوْ قَالَ أَنَا امْرَأَةٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يُحَارِفُ عَمَّا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا يَعْلَمُ غَيْرُهُ.
وَيُكْرَهُ أَنْ تَجَسَّسَهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ وَيَسْتَبِينَ أَمْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَاهِقَ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغِ فِي وُجُوبِ سَتْرِ عَوْرَتِهِ، وَنَظَرُ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ لَا يُبَاحُ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ فَسَوَاءٌ جَسَّسَهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ يُتَوَهَّمُ نَظَرُ خِلَافِ الْجِنْسِ وَلَكِنْ يَشْتَرِي لَهُ جَارِيَةً عَالِمَةً بِذَلِكَ مِنْ مَالِهِ تَجَسَّسُهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِالشِّرَاءِ حَقِيقَةً فَإِنْ كَانَ الْخُنْثَى امْرَأَةً فَهَذَا نَظَرُ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ فَإِنْ كَانَ رَجُلًا فَهَذَا نَظَرُ الْمَمْلُوكَةُ إلَى مَالِكِهَا، قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَ مُعْسِرًا اشْتَرَى لَهُ الْإِمَامُ جَارِيَةً بِمَالِ بَيْتِ الْمَالِ فَتَجَسَّسُهُ ثُمَّ بَاعَهَا وَجَعَلَ ثَمَنَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يُخَالِفَانِ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا وَلَكِنَّهُ خَصَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ جَوَابَهُمَا ثُمَّ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مِنْ جُمْلَتِهَا وَفِيهِ إقَامَةُ مَا هُوَ ظَهْرُهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ شَرْعًا فَيَكُونُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُحَصِّلَ ذَلِكَ بِمَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يُزَوِّجُ امْرَأَةً خُنَاثَةً وَكَأَنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ بِصِحَّةِ نِكَاحِهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَمْرُهُ، وَلَكِنْ لَوْ فَعَلَ مَعَ هَذَا كَانَ مُسْتَقِيمًا؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى إنْ كَانَ امْرَأَةً فَهَذَا نَظَرُ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ وَالنِّكَاحُ لَغْوٌ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا فَهَذَا نَظَرُ الْمَنْكُوحَةِ إلَى زَوْجِهَا، وَإِنْ زَوَّجَهُ أَبُوهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ رَجُلًا أَوْ زَوَّجَهُ امْرَأَةً فَإِنَّ ذَلِكَ مَوْقُوفٌ لَا يُجِيزُهُ وَلَا يُبْطِلُهُ وَلَا يَتَوَارَثُ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ.
أَمَّا لَا نُبْطِلُهُ لِأَنَّ الْعَاقِدَ وَلِيٌّ وَلَا نُجِيزُهُ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ بِمُصَادَفَةِ هَذَا الْعَقْدِ مَحَلَّهُ، وَلَا يَتَوَارَثُ؛ لِأَنَّ التَّوَارُثَ مِنْ حُكْمِ انْتِهَاءِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ قُتِلَ خَطَأً قَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ فَعَلَى قَوْلِ الشَّعْبِيِّ عَلَى الْقَاتِلِ نِصْفُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَنِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ، وَعِنْدَنَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ وَعَلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى مُدَّعِي الزِّيَادَةِ إثْبَاتُهَا بِالْبَيِّنَةِ.
رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا وَامْرَأَةً وَوُلِدَ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ خُنْثَى فَمَاتَ الْخُنْثَى بَعْدَ أَبِيهِ فَادَّعَتْ أُمُّهُ أَنَّهُ كَانَ غُلَامًا يَبُولُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الْغُلَامُ وَادَّعَى الِابْنُ أَنَّهُ كَانَ يَبُولُ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ الْجَارِيَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الِابْنِ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي الزِّيَادَةَ فِي مِيرَاثِهَا مِنْهُ وَالِابْنُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْأُمِّ سَوَاءٌ أَقَامَتْ هِيَ وَحْدَهَا أَوْ أَقَامَا جَمِيعَ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ فِي حَقِّهَا وَالِابْنُ يَنْفِي بَيِّنَةَ تِلْكَ الزِّيَادَةِ، وَلَوْ أَقَامَتْ الْأُمُّ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ وَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَيِّتَ زَوَّجَهُ هَذِهِ الصَّبِيَّةَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَنَّهَا كَانَتْ تَبُولُ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ النِّسَاءُ وَطَلَبَ مِيرَاثَهُ مِنْهَا قَالَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ فِي بَيِّنَتِهِ زِيَادَةَ إثْبَاتٍ؛ فَإِنَّهُ يُثْبِتُ صِحَّةَ النِّكَاحِ وَالْمِيرَاثِ لِنَفْسِهِ فَكَانَتْ بَيِّنَتُهُ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، ثُمَّ لِلْأُمِّ نَصِيبُهَا مِنْ الصَّدَاقِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يُقَالُ هِيَ تُنْكِرُ وُجُوبَ الصَّدَاقِ فَكَيْفَ تَأْخُذُ نَصِيبَهَا مِنْهُ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُكَذَّبَةً فِيمَا زَعَمَتْ فِي الْحُكْمِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ زَعْمَ الزَّاعِمِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ إذَا جَرَى الْحُكْمُ بِخِلَافِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ يَبُولُ مِنْ الْمَبَالِ الَّذِي ادَّعَاهُ وَلَمْ يَكُنْ يَبُولُ مِنْ الْمَبَالِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَمْ يَكُنْ يَبُولُ نَفْيٌ وَالشَّهَادَةُ بِلَفْظِ النَّفْيِ لَا تَكُونُ مَقْبُولَةً فَوُجُودُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ كَعَدَمِهَا.
وَلَوْ أَقَامَتْ امْرَأَةٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا إيَّاهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَنَّهُ كَانَ غُلَامًا يَبُولُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الْغُلَامُ خَاصَّةً وَأَقَامَتْ الْأُمُّ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ يَبُولُ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ النِّسَاءُ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ وَهُوَ أَصْلُ النِّكَاحِ وَالْمَهْرِ وَالْمِيرَاثِ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَدَّقَتْهَا الْأُمُّ فِيمَا ادَّعَتْ وَأَقَامَ الِابْنُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ جَارِيَةً فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ أَقَامَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا وَصَفْنَا وَأَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ وَهُوَ إثْبَاتُ الصَّدَاقِ فَتَتَرَجَّحُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا فِي إثْبَاتِ النِّكَاحِ وَالْمِيرَاثِ وَفِي بَيِّنَةِ الْمَرْأَةِ زِيَادَةٌ وَهُوَ إثْبَاتُ الصَّدَاقِ فَتَتَرَجَّحُ لِذَلِكَ، وَإِنْ وَقَعَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي وَقْتَيْنِ فَالْوَقْتُ الْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ يُثْبِتُ عَقْدَهُ وَحْدَهُ فِي الْخُنْثَى فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ غَيْرُهُ فِيهِ وَبَعْدَ مَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ تَصِيرُ الْبَيِّنَةُ الثَّانِيَةُ مُحَالًا، وَإِنْ كَانَ الْخُنْثَى حَيًّا أَبْطَلْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَلَمْ أَقْضِ بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِي حَالِ حَيَاتِهِ الْمَقْصُودُ هُوَ الْحِلُّ وَقَدْ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِيهِ وَانْتَفَتَا لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ زَوْجًا وَزَوْجَةً بِخِلَافِ مَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْعَقْدُ قَدْ ارْتَفَعَ هُنَاكَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْمَهْرُ وَالْمِيرَاثُ فَصِرْنَا إلَى التَّرْجِيحِ بِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ، وَهُوَ نَظِيرُ أُخْتَيْنِ ادَّعَيَا نِكَاحَ رَجُلٍ بَعْدَ مَوْتِهِ وَأَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ لَهُمَا بِالْمِيرَاثِ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ حَيًّا لَكَانَ يُبْطِلُ الْبَيِّنَتَيْنِ إذَا لَمْ يُوَقِّتَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَهُ.
قَالَ: وَلَيْسَ يَكُونُ الْخُنْثَى مُشْكِلًا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ عَلَى حَالٍ مِنْ الْحَالَاتِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ تَحْبَلَ أَوْ تَحِيضَ أَوْ تَخْرُجَ لَهُ لِحْيَةٌ أَوْ يَكُونَ لَهُ ثَدْيَانِ كَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ حَالُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ رَجُلٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ نَبَاتِ الثَّدْيَيْنِ يَكُونُ دَلِيلًا شَرْعِيًّا عَلَى أَنَّهُ رَجُلٌ، وَإِذَا قَالَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ هُوَ غُلَامٌ أَوْ قَالَ هِيَ جَارِيَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ، فَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُشْكِلٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الصَّغِيرِ فَيَكُونُ إخْبَارُهُ بِذَلِكَ كَإِخْبَارِ الْخُنْثَى بِنَفْسِهِ، وَإِذَا مَاتَ الْخُنْثَى بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ وَهُوَ مُرَاهِقٌ فَأَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ زَوَّجَهُ عَلَى هَذَا الْوَصِيفِ فَأَمَرَ بِدَفْعِهِ إلَيْهَا وَأَنَّهُ كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ وَأَنَّهُ قَدْ طَلَّقَهَا فِي حَيَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَوَجَبَ لَهُ نِصْفُ هَذَا الْعَبْدِ، وَأَقَامَتْ امْرَأَةٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا إيَّاهُ فِي حَيَاتِهِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَنَّهُ كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الْغُلَامِ فَإِنْ وُقِّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَقْتَيْنِ فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ دَعْوَاهُ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ غَيْرُهُ فِيهِ وَالْإِبْطَالُ لِلْمُعَارَضَةِ وَقَدْ انْعَدَمَ هَذَا، وَإِنْ لَمْ تُوَقَّتْ الْبَيِّنَتَانِ وَلَا يُعْرَفُ أَيُّهُمَا أَوَّلٌ أَبْطَلْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ اسْتَوَيَا فِي مَعْنَى الْإِثْبَاتِ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إثْبَاتُ النِّكَاحِ وَالْمِيرَاثِ وَإِثْبَاتُ الْمَهْرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فِي نِصْفِ الْوَصِيفِ وَالْمَرْأَةُ تُثْبِتُ الْمَهْرَ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْتَنِعٌ فَلِلتَّعَارُضِ قُلْنَا بِأَنَّهُ تَبْطُلُ الْبَيِّنَتَانِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَهُنَاكَ إثْبَاتُ الْمَهْرِ فِي بَيِّنَةِ الْمَرْأَةِ دُونَ بَيِّنَةِ الرَّجُلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ زَوَّجَهَا إيَّاهُ بِرِضَاهَا وَأَنَّهُ دَخَلَ بِهَا فَوَلَدَتْ هَذَا الْغُلَامَ أَبْطَلْت ذَلِكَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ إثْبَاتُ النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ وَالْمِيرَاثِ فَاسْتَوَيَا وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ، وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ الْحَقُّ مِنْهُمَا أَبْطَلْت ذَلِكَ كُلَّهُ، وَلَوْ قَامَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ وَقَضَى الْقَاضِي بِهَا ثُمَّ جَاءَتْ الْأُخْرَى لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهَا؛ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ فَمِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ بِصِدْقِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ الْحُكْمُ بِكَذِبِ الْفَرِيقِ الثَّانِي هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْجَوَابِ.
وَقَعَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ تَشْوِيشٌ فِي الرِّوَايَةِ فَقَالَ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَلَدٌ وَقَامَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَلَمْ يُوَقِّتَا وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَإِنِّي أُبْطِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَأَرُدُّهُ، وَهَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْخُنْثَى فَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بَيِّنَةَ الْمَرْأَةِ أَوْلَى لِمَا فِي بَيِّنَتِهَا مِنْ إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ وَهُوَ الْمَهْرُ.
وَلَوْ كَانَ الْخُنْثَى مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادَّعَى مُسْلِمٌ أَنَّ أَبَاهُ زَوَّجَهُ إيَّاهَا عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى وَأَقَامَ بَيِّنَةً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَادَّعَتْ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ زَوْجُهَا وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَضَيْت بِبَيِّنَةِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ أَقَامَ مَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهَا وَهِيَ أَقَامَتْ مَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَبَيِّنَتُهُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَضَيْت بِهَا لَهُ؛ لِأَنَّ إبْطَالَ الْبَيِّنَتَيْنِ بِحُكْمِ الْمُعَارَضَةِ وَالْمُسَاوَاةِ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ شَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ وَشَهَادَةِ الْكُفَّارِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِينَ مَرْدُودَةً لِمَكَانِ شَهَادَةِ الْكُفَّارِ.
وَإِذَا مَاتَ هَذَا الْخُنْثَى فَادَّعَتْ أُمُّهُ مِيرَاثَ غُلَامٍ وَجَحَدَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ وَأَقَرَّ الْوَصِيُّ بِهِ قَالَ إذَا جَاءَتْ الْأَمْوَالُ وَالدُّيُونُ لَمْ أُصَدِّقْ الْوَصِيَّ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الدَّعْوَى وَالْجُحُودِ الْحَاجَةُ إلَى حُجَّةٍ حُكْمِيَّةٍ، وَقَوْلُ الْوَصِيِّ لَا يَكْفِي لِذَلِكَ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَعْوَى الْمَالِ فَأَخْبَرَ الْوَصِيُّ أَنَّهُ غُلَامٌ أَوْ جَارِيَةٌ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَهُوَ لَوْ أَخْبَرَ بِنَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ كَانَ قَوْلُهُ مَقْبُولًا إذَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى إلْزَامِ الْغَيْرِ فَكَذَلِكَ قَوْلُ الْوَصِيِّ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْوَصِيُّ أَخَاهُ فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً ثُمَّ مَاتَ الْخُنْثَى فَقَالَ الْوَصِيُّ هُوَ غُلَامٌ وَقَالَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ هُوَ جَارِيَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ الْأَخُ إلَّا فِي نَصِيبِهِ يَرِثُ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ أَحَدُ وَرَثَةِ الْخُنْثَى وَقَدْ أَقَرَّ بِصِحَّةِ نِكَاحِهِ وَأَنَّ لَهَا مِنْهُ مِيرَاثَ النِّسَاءِ، وَأَحَدُ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِوَارِثٍ آخَرَ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ أَوْ النِّكَاحِ صُدِّقَ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ أَصْلُ النَّسَبِ بِإِقْرَارِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَخٌ آخَرُ فَأَقَرَّ أَنَّهُ جَارِيَةٌ وَزَوَّجَهُ رَجُلًا ثُمَّ مَاتَ الْخُنْثَى وَهُوَ مُرَاهِقٌ لَمْ يَتَبَيَّنْ حَالُهُ فَنِكَاحُ الْأَوَّلِ جَائِزٌ عَلَى الزَّوْجِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الثَّانِي عَلَى الثَّانِي وَلَا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ يَسْتَنِدُ بِالْعَقْدِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَحِينَ زَوَّجَهُ أَحَدَهُمَا لَا يُحْكَمُ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ لِيَكُونَ الْمُزَوِّجُ وَلِيًّا، وَلَوْ جَعَلْنَا النِّكَاحَ مِنْ الثَّانِي مُعْتَبَرًا كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ لَا وَجْهَ لَهُ وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوَيَا تَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِالسَّبْقِ فَيَتَعَيَّنُ جِهَةُ الْبُطْلَانِ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي وَبِالْعَقْدِ الْبَاطِلِ لَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَيَّهمَا أَوَّلُ أَبْطَلْت ذَلِكَ كُلَّهُ وَلَمْ أُوَرِّثْهُمَا شَيْئًا لِتَحَقُّقِ الْمُعَارَضَةِ وَالْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وَتَنَافِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَيَجُوزُ عِتْقُ هَذَا الْخُنْثَى عَنْ الرَّقَبَةِ الْوَاجِبَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ رَقَبَةٌ مُطْلَقَةٌ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى عَلَى أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ لَا مَحَالَةَ.
وَلَا يَحْضُرُ- إنْ كَانَ مُرَاهِقًا- غُسْلَ امْرَأَةٍ وَلَا رَجُلٍ كَمَا لَا يُغَسِّلُهُ إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ لِتَوَهُّمِ نَظَرِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ.
وَإِذَا زُوِّجَ خُنْثَى مِنْ خُنْثَى وَهُمَا مُشْكِلَانِ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا رَجُلٌ وَالْآخَرَ امْرَأَةٌ لَمْ أُجِزْ النِّكَاحَ وَلَمْ أُبْطِلْهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ بَيْنَ الْوَلِيَّيْنِ فَلَا يُحْكَمُ بِبُطْلَانِهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ وَلَا يُحْكَمُ بِجَوَازِهِ لِتَوَهُّمِ كَوْنِهِمَا أُنْثَيَيْنِ أَوْ ذَكَرَيْنِ أَوْ عَلَى عَكْسِ مَا قَدَّرَهُ الْوَلِيَّانِ، وَإِنْ مَاتَا لَمْ يَتَوَارَثَا؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْرِفْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مُشْكِلٌ أَجَزْت النِّكَاحَ إذَا كَانَ الْأَبَوَانِ هُمَا اللَّذَانِ زَوَّجَا؛ لِأَنَّ أَبَ الزَّوْجِ مِنْهُمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ غُلَامٌ، وَأَبُ الْمَرْأَةِ مِنْهُمَا أَخْبَرَ أَنَّهَا امْرَأَةٌ وَخَبَرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْبُولٌ شَرْعًا مَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ ذَلِكَ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ مَاتَا بَعْدَ ذَلِكَ الْأَبَوَيْنِ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ هُوَ الزَّوْجُ وَأَنَّ الْأُخْرَى هِيَ الزَّوْجَةُ لَمْ أَقْضِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِخِلَافِ مَا جَرَى الْحُكْمُ بِهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ بِلَا إشْكَالٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا كَانَ الزَّوْجَ فَقَدْ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَاسْتَوَيَا فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَنْقُضُ الْأُخْرَى، وَإِنْ قَامَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ أَوَّلًا وَاتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِهَا تَعَيَّنَ الْبُطْلَانُ لِلْبَيِّنَةِ الْأُخْرَى.
وَإِذَا شَهِدَ شُهُودٌ عَلَى خُنْثَى أَنَّهُ غُلَامٌ وَشَهِدَ شُهُودُ آخَرُونَ أَنَّهُ جَارِيَةٌ فَإِنْ كَانَ يَطْلُبُ مِيرَاثًا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ قَضَيْت بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا أَنَّهُ غُلَامٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَطْلُبُ مِيرَاثًا وَكَانَ رَجُلٌ يَدَّعِي أَنَّهَا امْرَأَتُهُ قَضَيْت بِأَنَّهَا جَارِيَةٌ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْبَيِّنَةِ إثْبَاتَ النِّكَاحِ وَالْحِلِّ، وَإِنْ كَانَ لَا يَطْلُبُ شَيْئًا وَلَا يُطْلَبُ مِنْ قِبَلِهِ شَيْءٌ لَمْ أَسْمَعْ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْبَيِّنَةِ تَنْبَنِي عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى لِصِحَّةِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ إذَا لَمْ يَدَّعِ بِهَا شَيْئًا فَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مِنْ أَثْبَتَ الْأُخُوَّةَ بِالْبَيِّنَةِ وَهُوَ لَا يَدَّعِي بِذَلِكَ شَيْئًا إذْ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ بَعْدَ مَا عَرَفَ كَوْنَهُ مُشْكِلًا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ عَلَى أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.