فصل: بَابُ السَّجْدَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ السَّجْدَةِ:

(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَجُلٌ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي مَكَان ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلَاتِهِ فِي مَوْضِعِهِ فَقَرَأَهَا الْإِمَامُ فَسَجَدَهَا وَسَجَدَ هَذَا الرَّجُلُ مَعَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ الْأُولَى إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَالْجَامِعِ يَقُولُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ الْأُولَى إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَوَجْهُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَتْلُوَّ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْمَكَانَ مَكَانٌ وَاحِدٌ وَالْمُؤَدَّاةَ أَكْمَلُ فَإِنَّ لَهَا حُرْمَتَيْنِ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ وَحُرْمَةُ التِّلَاوَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُؤَدَّاةُ مِثْلَ الْأُولَى نَابَتْ عَنْهَا فَإِذَا كَانَتْ أَكْمَلَ مِنْ الْأُولَى فَلَأَنْ تَنُوبَ عَنْهَا أَوْلَى وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَتَانِ فِي الْحُكْمِ فَإِنَّ إحْدَاهُمَا صَلَاتِيَّةٌ وَالْأُخْرَى لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ فَلَا تَدْخُلُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى كَمَا لَوْ كَانَ الْمَتْلُوُّ آيَتَيْنِ وَقِيلَ إنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَإِنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ هَهُنَا فِيمَا إذَا أَعَادَهَا الْإِمَامُ فَيَكُونُ هَذَا الرَّجُلُ فِيمَا يَلْزَمُهُ بِحُكْمِ تِلَاوَةِ الْإِمَامِ تَبَعًا، وَالْأُولَى وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِتِلَاوَتِهِ مَقْصُودًا فَلَا تَتَأَدَّى بِالتَّبَعِ وَهُنَاكَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا قَامَ فَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِنَفْسِهِ ثُمَّ قَرَأَهَا فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودًا فِي حَقِّهِ وَالْمُؤَدَّاةُ أَكْمَلُ، فَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ فَلَمْ يَسْجُدْهَا فَعَلَى الرَّجُلِ السَّجْدَةُ الْأُولَى وَلَيْسَ عَلَيْهِ الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَلَاتِيَّةٌ عَلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَا فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ، وَأَمَّا الْأُولَى فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَمْ تَدْخُلْ فِي الثَّانِيَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ.
وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الصَّلَاتِيَّةِ فَتَسْقُطُ بِسُقُوطِ الصَّلَاتِيَّةِ عَنْهُ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ افْتَتَحَا التَّطَوُّعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِيَالِهِ فَقَرَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُورَةً لَمْ يَقْرَأْهَا صَاحِبُهُ وَفِيهَا سَجْدَةٌ فَسَجَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الَّتِي قَرَأَهَا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْجُدَ لِمَا سَمِعَ مِنْ صَاحِبِهِ إذَا فَرَغَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ السَّجْدَةِ سَمَاعِيَّةُ فِي حَقِّهِ لَا صَلَاتِيَّةٌ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَمِعَهَا مِنْ رَجُلٍ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَا قَرَآ سُورَةً وَاحِدَةً فَسَجَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَا كَانَ قَرَأَ فَلَيْسَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْجُدَ إذَا فَرَغَ لِمَا سَمِعَ مِنْ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْمَتْلُوَّ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْمَكَانَ مَكَانٌ وَاحِدٌ وَالْمُؤَدَّاةَ أَكْمَلُ لِاجْتِمَاعِ الْحُرْمَتَيْنِ لَهَا، وَإِنْ سَهَا كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْجُدَهَا فِي الصَّلَاةِ فَلَا سُجُودَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ السَّمَاعِيَّةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الصَّلَاتِيَّةِ بِسَبَبِ اتِّحَادِ السَّبَبِ وَقَدْ سَقَطَتْ الصَّلَاتِيَّةُ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا فَتَسْقُطُ السَّمَاعِيَّةُ أَيْضًا.
فَإِنْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَهَا ثُمَّ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَقَرَأَهَا فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، وَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ يَقُولُ إذَا سَلَّمَ وَتَكَلَّمَ ثُمَّ أَعَادَهَا فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ أُخْرَى قِيلَ إنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَهُنَاكَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا سَلَّمَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَبِمُجَرَّدِ السَّلَامِ لَا يَنْقَطِعُ فَوْرُ الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَأْتِي بِسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وَلَوْ أَنَّهُ تَذَكَّرَ شَيْئًا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ بَعْدَ السَّلَامِ كَانَ يَأْتِي بِهِ وَلَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَ الْكَلَامِ وَقِيلَ بَلْ مَا ذُكِرَ هُنَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ وَمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا قَرَأَهَا فِي رَكْعَةٍ وَسَجَدَ ثُمَّ أَعَادَهَا فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ.
وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ فَلَمْ تَغْتَسِلْ حَتَّى سَمِعَتْ السَّجْدَةَ فَلَيْسَ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ السَّجْدَةِ إذَا اغْتَسَلَتْ وَهَذَا إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشْرِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشْرًا فَقَدْ تَيَقَّنَّا بِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ، وَإِنَّمَا بَقِيَ عَلَيْهَا الِاغْتِسَالُ فَقَطْ فَهِيَ كَالْجُنُبِ وَالْجُنُبُ إذَا سَمِعَ آيَةَ السَّجْدَةِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَهَا بَعْدَ الِاغْتِسَالِ.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشْرِ وَذَهَبَ وَقْتُ الصَّلَاةِ مُنْذُ انْقَطَعَ الدَّمُ عَنْهَا فَقَدْ حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهَا حِينَ أَوْجَبْنَا الصَّلَاةَ عَلَيْهَا فَيَلْزَمُهَا السَّجْدَةُ بِالسَّمَاعِ أَيْضًا، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَذْهَبْ وَقْتُ صَلَاةٍ بَعْدَ مَا انْقَطَعَ الدَّمُ وَهِيَ فِي مِصْرٍ فَسَمِعَتْ آيَةَ التِّلَاوَةِ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا حَائِضٌ بَعْدُ، فَإِنَّ مُدَّةَ الِاغْتِسَالِ فِي حَقِّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْحَيْضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الزَّوْجِ فِي الرَّجْعَةِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ وَالْحَائِضُ لَا يَلْزَمُهَا السَّجْدَةُ كَمَا لَا تَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إذَا تَمَكَّنَتْ مِنْ الِاغْتِسَالِ فَلَمْ تَغْتَسِلْ ثُمَّ سَمِعَتْ آيَةَ السَّجْدَةِ يَلْزَمُهَا السَّجْدَةُ؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلسَّجْدَةِ كَمَا أَنَّ جُزْءًا مِنْ الْوَقْتِ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ لَوْ أَدْرَكَتْ جُزْءًا مِنْ الْوَقْتِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاغْتِسَالِ تَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ فَكَذَلِكَ إذَا سَمِعَتْ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاغْتِسَالِ.
وَلَوْ كَانَتْ فِي سَفَرٍ فَإِنْ تَيَمَّمَتْ ثُمَّ سَمِعَتْ فَعَلَيْهَا السَّجْدَةُ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ فِي حَقِّهَا بِمَنْزِلَةِ الِاغْتِسَالِ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ السَّجْدَةِ، وَإِنْ لَمْ تَتَيَمَّمْ حَتَّى سَمِعَتْ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الْحَيْضِ مَا لَمْ تَتَيَمَّمْ أَوْ يَذْهَبْ وَقْتُ الصَّلَاةِ.
وَلَوْ قَرَأَ سَجْدَةً ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تُحْبِطُ عَمَلَهُ وَتَجْعَلُهُ كَكَافِرٍ أَصْلِيٍّ أَسْلَمَ الْآنَ فِي حُكْمِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ.
وَلَوْ قَرَأَهَا الْإِمَامُ فِي صَلَاةٍ لَا يَجْهَرُ فِيهَا وَلَمْ يَسْمَعْهَا الْقَوْمُ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَسْجُدُوا؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْإِمَامِ بِالتِّلَاوَةِ وَهِيَ صَلَاتِيَّةٌ وَالْمُقْتَدِي تَبَعٌ لِلْإِمَامِ فِي أَعْمَالِ الصَّلَاةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَرَأَهَا عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ هُنَاكَ لَا تَجِبُ السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ تُؤَدَّى فِي غَيْرِ تَحْرِيمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ فَلَا يَكُونُ بَيْنَ الْقَوْمِ وَالْإِمَامِ فِيهَا مُتَابَعَةٌ، وَإِنَّمَا السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلسَّجْدَةِ هُنَاكَ التِّلَاوَةُ وَالسَّمَاعُ فَلَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مِنْ تَقَرَّرَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ.
وَلَوْ قَرَأَهَا رَجُلٌ بِالْفَارِسِيَّةِ وَسَمِعَهَا قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ الْفَارِسِيَّةَ وَهُمْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَسْجُدُوهَا وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَكَرَ فِي الْأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ إنَّمَا تَجِبُ السَّجْدَةُ هَهُنَا عَلَى مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْرَأُ آيَةَ السَّجْدَةِ وَلَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يَفْهَمُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا وَهَذَا لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ كَالْقِرَاءَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ حَتَّى قَالَ يَتَأَدَّى بِهَا فَرْضُ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ قَرَأَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَجَبَتْ السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ وَيَلْزَمُهُ أَدَاؤُهَا إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْفَارِسِيَّةُ لَيْسَتْ بِقُرْآنٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلِهَذَا لَا يَتَأَدَّى فَرْضُ الْقِرَاءَةِ بِهَا فِي حَقِّ مَنْ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ وَيَتَأَدَّى فِي حَقِّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ فَكَذَلِكَ يَجِبُ بِهَذَا السَّمَاعِ السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ يَعْرِفْ أَنَّهُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ.
وَلَوْ أَنَّ سَكْرَانًا قَرَأَ سَجْدَةً أَوْ سَمِعَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَهَا؛ لِأَنَّ السَّكْرَانَ مُخَاطَبٌ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ بِإِدْرَاكِ الْوَقْتِ فَكَذَلِكَ تَلْزَمُهُ السَّجْدَةُ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ إذَا قَرَأَهَا أَوْ سَمِعَهَا فِي حَالِ جُنُونِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ قَالُوا وَهَذَا إذَا طَالَ جُنُونُهُ، فَأَمَّا إذَا قَصَرَ فَكَانَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَقَلَّ يَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ السَّجْدَةُ اسْتِحْسَانًا كَمَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ عَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ كَمَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ قَرَأَهَا عِنْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى فَقَضَاهَا نِصْفَ النَّهَارِ لَمْ تُجْزِهِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ، وَالْمُؤَدَّاةُ عِنْدَ الزَّوَالِ نَاقِصَةٌ، وَإِنْ قَرَأَهَا نِصْفَ النَّهَارِ فَسَجَدَهَا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى تَغَيَّرَتْ الشَّمْسُ عِنْدَ الْغُرُوبِ ثُمَّ أَدَّاهَا فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا تُجْزِيهِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِيمَا بَيَّنَّا إذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الزَّوَالُ ثُمَّ أَفْسَدَهَا وَقَضَاهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا وَلَمْ يُجْزِئْهُ عِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَكَذَلِكَ إذَا قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ عَلَى الدَّابَّةِ ثُمَّ نَزَلَ ثُمَّ رَكِبَ فَأَدَّاهَا جَازَ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَدَّاهَا قَبْلَ النُّزُول، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ فَقَدْ لَزِمَهُ أَدَاؤُهَا عَلَى الْأَرْضِ فَلَا تَتَأَدَّى بِالْإِيمَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَرَأَهَا وَهُوَ نَازِلٌ فَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ:

(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَوْ أَنَّ مُسْتَحَاضَةً تَوَضَّأَتْ وَلَبِسَتْ الْخُفَّيْنِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ فَلَمَّا صَلَّتْ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ عَلَيْهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتَغْسِلَ قَدَمَيْهَا وَتَسْتَقْبِلَ الصَّلَاة، وَفِي وَجْهٍ عَلَيْهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهَا وَتَسْتَقْبِلَ الصَّلَاةَ، وَفِي وَجْهٍ عَلَيْهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهَا وَتَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهَا، أَمَّا بَيَانُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِيمَا إذَا تَوَضَّأَتْ وَالدَّمُ سَائِلٌ وَلَبِسَتْ الْخُفُّ فَإِنَّ هَذَا اللُّبْسَ حَصَلَ عَلَى طَهَارَةٍ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْوَقْتِ غَيْرِ مُعْتَبَرَةٍ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَتَنْتَقِضُ طَهَارَتُهَا عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِالْحَدَثِ الْمُقَارِنِ لِلْوُضُوءِ وَكَانَ ذَلِكَ سَابِقًا عَلَى الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ.
وَالْأَصْلُ أَنَّ طَهَارَةَ الْمُصَلِّي مَتَى انْتَقَضَتْ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ يَلْزَمُهُ اسْتِقْبَالُ الصَّلَاةِ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا أَبْصَرَ الْمَاءَ فَلِهَذَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتَغْسِلَ قَدَمَيْهَا وَتَسْتَقْبِلَ الصَّلَاةَ.
وَبَيَانُ الْوَجْهِ الثَّانِي فِيمَا إذَا تَوَضَّأَتْ وَالدَّمُ مُنْقَطِعٌ وَلَبِسَتْ الْخُفَّ ثُمَّ سَالَ الدَّمُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَهُنَا اللُّبْسُ حَصَلَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَيَكُونُ لَهَا أَنْ تَمْسَحَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ وَلَكِنْ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهَا عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِسَيَلَانٍ كَانَ فِي الْوَقْتِ فَقَدْ أَدَّتْ جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ سَبَقِ الْحَدَثِ وَذَلِكَ يَمْنَعُهَا مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الصَّلَاةِ.
وَبَيَانُ الْوَجْهِ الثَّالِثِ فِيمَا إذَا تَوَضَّأَتْ وَالدَّمُ مُنْقَطِعٌ وَلَبِسَتْ الْخُفَّ ثُمَّ لَمْ يَسِلْ الدَّمُ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ سَالَ الدَّمُ فَهَهُنَا طَهَارَتُهَا إنَّمَا تَنْتَقِضُ بِالْحَدَثِ لَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا أَدَاءُ جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ فَيَكُونُ لَهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتَبْنِي عَلَى صَلَاتِهَا وَيَكُونُ لَهَا أَنْ تَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّهَا لَبِسَتْ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ.
وَلَوْ لَمْ يَسِلْ الدَّمُ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ صَلَاتِهَا ثُمَّ سَالَ الدَّمُ فَصَلَاتُهَا تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهَا أَدَّتْ الصَّلَاةَ بِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَإِنْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَالدَّمُ مُنْقَطِعٌ ثُمَّ تَوَضَّأَتْ ثُمَّ سَالَ الدَّمُ فَعَلَيْهَا الْوُضُوءُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا أَنَّ الدَّمَ كَانَ مُنْقَطِعًا حِينَ تَوَضَّأَتْ وَلَمْ يَسِلْ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى دَخَلَ وَقْتٌ آخَرُ فَإِنَّ طَهَارَتَهَا لَمْ تَنْتَقِضْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا تَنْتَقِضُ بِسَيَلَانِ الدَّمِ فَلَا يَنْفَعُهَا الْوُضُوءُ الْمُتَقَدِّمُ لِهَذَا السَّيَلَانِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّمُ سَائِلًا حِينَ تَوَضَّأَتْ ثُمَّ انْقَطَعَ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتٌ آخَرُ فَتَوَضَّأَتْ ثُمَّ سَالَ الدَّمُ فَلَيْسَ عَلَيْهَا وُضُوءٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فَإِنَّهَا تَوَضَّأَتْ وَالْوُضُوءُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا فَلَا يَلْزَمُهَا وُضُوءٌ آخَرُ بِسَيَلَانِ الدَّمِ مَا بَقِيَ الْوَقْتُ.
وَلَوْ تَوَضَّأَ بِالنَّبِيذِ فِي سَفَرٍ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَاءٍ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَصَابَ مَاءً كَثِيرًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعَ خُفَّيْهِ وَيَغْسِلَ قَدَمَيْهِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِالنَّبِيذِ بَدَلٌ عَنْ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ فَإِنَّمَا لَبِسَ الْخُفَّ بِطَهَارَةٍ غَيْرِ مُعْتَبَرَةٍ بَعْدَ وُجُودِ الْمَاءِ وَكَذَلِكَ لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ ثُمَّ تَيَمَّمَ وَلَبِسَ الْخُفَّ ثُمَّ وَجَدَ مَاءً طَهُورًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعَ خُفَّيْهِ وَيَغْسِلَ قَدَمَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّوَضُّؤَ بِسُؤْرِ الْحِمَار لَا يَكُونُ طَهَارَةً بَعْدَ وُجُودِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا انْكَسَرَتْ يَدُهُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَرَبَطَ الْجَبَائِرَ عَلَيْهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَبِسَ الْخُفَّ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ كَالْغُسْلِ لِمَا تَحْتَهُ مَا دَامَتْ الْعِلَّةُ قَائِمَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّتُ بِوَقْتٍ وَإِنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ وَالْغُسْلِ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْأَصْلِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغُسْلِ لِمَا تَحْتَهُ فَلَا يَضُرُّهُ الْحَدَثُ عِنْدَ رَبْطِ الْجَبَائِرِ، وَأَمَّا الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ فَلَمْ يُجْعَلْ كَغُسْلِ الرِّجْلِ وَلَكِنَّ اسْتِتَارَ الْقَدَمِ بِالْخُفِّ يَمْنَعُ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْهَا وَشَرْطُ جَوَازِ الْمَسْحِ اللُّبْسُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إنِّي أَدْخَلْتُهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ».
وَلَوْ رَبَطَ الْجَبَائِرَ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَتَوَضَّأَ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ حَصَلَ عَلَى طَهَارَةٍ فَإِنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ كَالْغُسْلِ لِمَا تَحْتَهَا مَا دَامَتْ الْعِلَّةُ قَائِمَةً فَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ وَالْجَبَائِرِ، فَإِنْ بَرِئَ مَا تَحْتَ الْجَبَائِرِ وَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ فَإِنَّهُ يَغْسِلُ مَوْضِعَهَا وَيُصَلِّي؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ كَانَ مُعْتَبَرًا قَبْلَ الْبُرْءِ فَإِذَا بَرِئَتْ فَقَدْ انْتَهَى حُكْمُ ذَلِكَ الْمَسْحِ فَعَلَيْهِ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَالْبُرْءُ لَيْسَ بِحَدَثٍ فَلَا يَنْتَقِضُ بِهِ وُضُوءُهُ فَإِنْ غَسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ ثُمَّ أَحْدَثَ فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا غَسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَقَدْ تَمَّتْ طَهَارَتُهُ، وَإِنَّمَا اعْتَرَضَ أَوَّلُ الْحَدَثِ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ وَلَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَغْسِلَ قَدَمَيْهِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الْحَدَثِ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ مَا طَرَأَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَإِنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ بَعْدَ الْبُرْءِ فَلِهَذَا لَزِمَهُ غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ.
وَلَوْ أَنَّ جُنُبًا مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَحْدَثَ وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّيَمُّمِ قَدْ خَرَجَ مِنْ حُكْمِ الْجَنَابَةِ مَا لَمْ يَجِدْ مَاءً يَكْفِيهِ لِلِاغْتِسَالِ فَإِنَّمَا لُبْسُ الْخُفِّ بَعْدَ الْوُضُوءِ عَلَى طَهَارَةٍ تَامَّةٍ مَا لَمْ يَجِدْ مَاءً يَكْفِيه لِلِاغْتِسَالِ وَلَوْ لَمْ يَتَيَمَّمْ وَلَكِنَّهُ تَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ تَيَمَّمَ ثُمَّ أَحْدَثَ وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مِقْدَارُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَبِسَ الْخُفَّ لَا عَلَى طَهَارَةٍ فَإِنَّ الْوُضُوءَ فِي حَقِّ الْجُنُبِ لَا يَكُونُ طَهَارَةً فَإِنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ مَرَّ بِمَاءٍ يَكْفِيه لِلِاغْتِسَالِ فَلَمَّا جَاوَزَهُ أَحْدَثَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ تَيَمُّمِ الْأَوَّلِ قَدْ انْتَهَى بِمَا أَصَابَ مِنْ الْمَاءِ فَإِنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ أَحْدَثَ وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَغْسِلُ قَدَمَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ مَرَّ بِمَاءٍ يَكْفِيه لِلِاغْتِسَالِ فَقَدْ عَادَ جُنُبًا كَمَا كَانَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ نَزْعُ الْخُفَّيْنِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ.
وَلَوْ أَنَّ جُنُبًا اغْتَسَلَ وَبَقِيَ بَعْضُ جَسَدِهِ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ أَصَابَ مَاءً فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ مَا بَقِيَ مِنْ جَسَدِهِ وَيَتَوَضَّأَ وَيَغْسِلَ قَدَمَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَبِسَ الْخُفَّ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْجُنُبِ الَّذِي بَقِيَ مِنْ جَسَدِهِ لُمْعَةٌ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ أَصَابَ مَاءً فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ الْمَوْجُودُ يَكْفِيه لِمَا بَقِيَ مِنْ جَسَدِهِ وَلِلْوُضُوءِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ مَا بَقِيَ مِنْ جَسَدِهِ لِيَخْرُجَ مِنْ الْجَنَابَةِ ثُمَّ هُوَ مُحْدِثٌ مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ بِحَيْثُ لَا يَكْفِيه لِوَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَلَكِنْ يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ الْمَوْجُودَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ جَسَدِهِ لِتَقْلِيلِ الْجَنَابَةِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ الْمَوْجُودُ بِحَيْثُ يَكْفِيه لِلُّمْعَةِ وَلَا يَكْفِيه لِلْوُضُوءِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ بِهِ اللُّمْعَةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْجَنَابَةِ ثُمَّ هُوَ مُحْدِثٌ لَا مَاءَ مَعَهُ فَيَتَيَمَّمُ لِلْحَدَثِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ الَّذِي مَعَهُ يَكْفِيه لِلْوُضُوءِ وَلَا يَكْفِيه لِمَا بَقِيَ مِنْ جَسَدِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ؛ لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ لِلْجَنَابَةِ بَاقٍ حِينَ لَمْ يَجِدْ مَاءً يَكْفِيه لِإِزَالَتِهَا فَهُوَ مُحْدِثٌ مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ.
وَالْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ بِحَيْثُ يَكْفِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ وَلَا يَكْفِيه لَهُمَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَصْرِفَ الْمَاءَ إلَى غُسْلِ مَا بَقِيَ مِنْ جَسَدِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْجَنَابَةِ أَغْلَظُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْجُنُبَ يُمْنَعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْمُحْدِثُ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ إزَالَةُ أَغْلَظِ الْحَدَثَيْنِ بِالْمَاءِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْحَدَثِ فَإِنْ تَيَمَّمَ أَوَّلًا ثُمَّ غَسَلَ اللُّمْعَةَ بِالْمَاءِ أَجْزَأَهُ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ وَفِي الزِّيَادَاتِ يَقُولُ لَا يُجْزِئُهُ وَقِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا ذُكِرَ هَهُنَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَيَمَّمَ وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيه لِوُضُوئِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ تَيَمُّمُهُ وَقَاسَ هَذَا بِرَجُلَيْنِ فِي السَّفَرِ وَجَدَا مَاءً يَتَوَضَّأُ بِهِ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ الْآخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ بَدَأَ أَحَدُهُمَا فَتَيَمَّمَ ثُمَّ تَوَضَّأَ الْآخَرُ بِالْمَاءِ لَمْ يَجُزْ تَيَمُّمُ الْمُتَيَمِّمِ.
وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي مَعَهُ مُسْتَحَقٌّ لِإِزَالَةِ الْجَنَابَةِ فَيُجْعَلُ كَالْمَعْدُومِ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ حَتَّى يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ كَمَا لَوْ كَانَ مُسْتَحَقًّا لِعَطَشِهِ، ثُمَّ شَبَّهَ هَذَا فِي الْكِتَابِ بِمَنْ كَانَ مَعَهُ سُؤْرُ الْحِمَارِ وَهُوَ مُحْدِثٌ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ ثُمَّ يَتَيَمَّمَ فَإِنْ تَيَمَّمَ أَوَّلًا ثُمَّ تَوَضَّأَ بِهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَبِأَيِّهِمَا بَدَأَ أَجْزَأَهُ فَكَذَلِكَ هُنَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي اللُّمْعَةِ فَبِأَيِّهِمَا بَدَأَ يُجْزِئُهُ.
وَلَوْ تَوَضَّأَ لِلْفَجْرِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ كَذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْ بِرَأْسِهِ فِي الْفَجْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعَ خُفَّيْهِ وَيَغْسِلَ قَدَمَيْهِ وَيُعِيدَ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ اللُّبْسَ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ تَامَّةٍ وَأَنَّ وُضُوءَهُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لَمْ يَكُنْ طَهَارَةً بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا بَعْدَ إكْمَالِ الطَّهَارَةِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الظُّهْرِ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ الظُّهْرِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ لُبْسَهُ كَانَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَتَكُونُ طَهَارَتُهُ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْمَسْحِ بِالْخُفِّ تَامَّةً وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ عِنْدَ النِّسْيَانِ وَالِاشْتِبَاهِ، فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَضَاءُ الظُّهْرِ.
وَلَوْ سَقَطَتْ الْجَبَائِرُ بَعْدَ مَا مَسَحَ عَلَيْهَا فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ كَالْغُسْلِ لِمَا تَحْتَهَا مَا دَامَتْ الْعِلَّةُ قَائِمَةً لِعَجْزِهِ عَنْ الْغُسْلِ لِمَا تَحْتَهَا.
وَلَوْ نَسِيَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ حَتَّى دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ سَقَطَتْ عَنْهُ الْجَبَائِرُ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ بَعْدَ مَا يُعِيدُ الْجَبَائِرَ وَيَمْسَحُ عَلَيْهَا وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي تَقُولُ إنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ تَرْكُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي الصَّلَاةِ.
وَلَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ حِمَارٍ وَتَيَمَّمَ ثُمَّ أَصَابَ مَاءً نَظِيفًا فَلَمْ يَتَوَضَّأْ حَتَّى ذَهَبَ الْمَاءُ وَمَعَهُ سُؤْرُ الْحِمَارِ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ طَهَارَةٌ بِالْمَاءِ فَلَا تَنْتَقِضُ بِوُجُودِ الْمَاءِ لِمَعْنًى وَهُوَ أَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ إنْ كَانَ طَاهِرًا فَقَدْ تَوَضَّأَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَلَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَلِهَذَا يَكْفِيه إعَادَةُ التَّيَمُّمِ.
وَمَنْ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ مُبَطَّنٍ أَوْ مُصَلَّى مُبَطَّنٍ وَفِي الْبِطَانَةِ قَذَرٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.
وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ قِيلَ إنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْكِتَابِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُضَرَّبًا وَلَا كَانَتْ الظِّهَارَةُ مُتَّصِلَةً بِالْبِطَانَةِ بِالْعُرَى أَوْ غَيْرِهَا فَيَكُونُ هَذَا فِي حُكْمِ ثَوْبَيْنِ يُبْسَطُ أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخِرِ وَالْأَسْفَلُ مِنْهُمَا نَجِسُ فَرْشٍ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَمَوْضُوعُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ فِيمَا إذَا كَانَ مُضَرَّبًا أَوْ مُتَّصِلًا بِالْعُرَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي حُكْمِ ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَفِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي الْوَجْهِ الْأَسْفَلِ مِنْهُ فَوَقَفَ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِنَّهُ لَا تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ فَهَذَا كَذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ هَذَا الْمُصَلَّى، وَإِنْ كَانَ مُبَطَّنًا فَإِنَّهُ يُعَدُّ فِي النَّاسِ ثَوْبًا وَاحِدًا وَيُسْتَعْمَلُ كَذَلِكَ فَيَكُونُ هُوَ بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ وَاقِفًا عَلَى النَّجَاسَةِ وَشَرْطُ جَوَازِ الصَّلَاةِ طَهَارَةُ مَكَانِ الصَّلَاةِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِرَاشُهُ نَجِسًا وَعَلَيْهِ مَجْلِسٌ طَاهِرٌ فَصَلَّى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ هُنَاكَ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْفِرَاشِ وَهُمَا ثَوْبَانِ مُخْتَلِفَانِ وَقِيَامُهُ يَكُونُ مُضَافًا إلَى الْأَعْلَى دُونَ الْأَسْفَلِ.
وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُصَلَّى الْمُبَطَّنَ فِي الْحَقِيقَةِ ثَوْبَانِ وَإِنْ خِيطَ جَوَانِبُهُ لِتَيَسُّرِ الِاسْتِعْمَالِ، وَإِنَّمَا يُضَافُ قِيَامُهُ وَجُلُوسُهُ فِي الْعَادَةِ إلَى الْأَعْلَى دُونَ الْأَسْفَلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَعْلَى إذَا كَانَ دِيبَاجًا يُقَالُ فُلَانٌ جَالِسٌ عَلَى الدِّيبَاجِ فَإِذَا كَانَ الْأَعْلَى طَاهِرًا قُلْنَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْفِرَاشِ وَالْمَجْلِسِ وَمِنْ هَذَا وَقَعَ عِنْدَ الْعَوَامّ نَزْعُ الْمُكَعَّبِ وَالْقِيَامُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّ النَّجَاسَةِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الصِّرْمِ لَا عَلَى الْمُكَعَّبِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ الصِّرْمَ مُتَّصِلٌ بِالْمُكَعَّبِ بِعُرًى فَيَكُونُ فِي حُكْمِ شَيْءٍ وَاحِدٍ.
وَلَوْ أَنَّ جُبَّةً مُبَطَّنَةً فِيهَا دَمٌ قَدْرَ الدِّرْهَمِ وَقَدْ نَفَذَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَصَلَّى فِيهِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَةَ مَعَ الْبِطَانَةِ ثَوْبَانِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَجَاسَةٌ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ فَإِذَا جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَهَذَا بِخِلَافِ الثَّوْبِ الَّذِي هُوَ طَاقٌ وَاحِدٌ إذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ قَدْرَ الدِّرْهَمِ وَنَفَذَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الثَّوْبَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَبِاعْتِبَارِ الْوَجْهَيْنِ لَا تَزْدَادُ النَّجَاسَةُ فِي ثَوْبِهِ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَهَهُنَا الظِّهَارَةُ غَيْرُ الْبِطَانَةِ فَهُمَا ثَوْبَانِ مُخْتَلِفَانِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بِهِ جُرْحَانِ لَا يَرْقَآنِ فَتَوَضَّأَ وَهُمَا سَائِلَانِ ثُمَّ رَقَأَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ عُذْرَهُ قَائِمٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ السَّائِلُ حِينَ تَوَضَّأَ إلَّا أَحَدُهُمَا كَأَنْ يَتَقَدَّرَ وُضُوءُهُ بِالْوَقْتِ فَكَذَلِكَ إذَا رَقَأَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ الْآخَرُ سَائِلًا فَإِنْ سَكَنَ هَذَا وَانْفَجَرَ الَّذِي كَانَ سَكَنَ وَهُوَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ.
قَالَ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ جُرْحٍ وَاحِدٍ يَعْنِي فِي حُكْمِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ وَقَعَتْ لَهُمَا جَمِيعًا ثُمَّ حَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الَّذِي انْفَجَرَ كَانَ سَاكِنًا حِين تَوَضَّأَ فَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ لَمْ يَسْكُنْ أَصْلًا فَتَبْقَى طَهَارَتُهُ مَا بَقِيَ الْوَقْتُ.
وَلَوْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ رَقَأَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَمَّ الصَّلَاةِ بِطَهَارَةِ ذَوِي الْأَعْذَارِ وَالْعُذْرُ قَائِمٌ فَزَوَالُ الْعُذْرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا زَالَ الْعُذْرُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَهُوَ نَظِيرُ الْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ وَالْمَبْطُونِ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ اسْتِطْلَاقُ بَطْنِهِ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ أَوْ سُقُوطُ الدُّودِ أَوْ انْفِلَاتُ الرِّيحِ فَإِنَّ طَهَارَةَ هَؤُلَاءِ تَتَقَدَّرُ بِالْوَقْتِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ فَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُسْتَحَاضَةِ ثَوْبَانِ أَحَدُهُمَا طَاهِرٌ وَالْآخَرُ غَيْرُ طَاهِرٍ فَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ فِي أَيِّهِمَا شَاءَتْ إذَا كَانَ الطَّاهِرُ يَفْسُدُ إذَا لَبِسَتْهُ أَمَّا إذَا صَلَّتْ فِي الطَّاهِرِ مِنْهُمَا فَلَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ عَفْوٌ وَإِلَيْهِ أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي «قَوْلِهِ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ صَلِّي، وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ قَطْرًا» وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّتْ فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي لُبْسِ الطَّاهِرِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ الدَّمِ وَتُجْعَلُ صَلَاتُهَا فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ جَائِزَةً فَالصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ أَدَائِهَا فِي الثَّوْبِ الطَّاهِرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ نُلْزِمَهَا بِتَنْجِيسِ الثَّوْبِ الطَّاهِرِ فَلِهَذَا جَوَّزْنَا صَلَاتَهَا فِي أَيِّ الثَّوْبَيْنِ لَبِسَتْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.